غموض التحوّل الاقتصادي
الغموض الذي يتسم به التحوّل الاقتصادي، يشعرنا أننا دخلنا نفقًا لا نعرف إلى أين يأخذنا ومتى نصل نهايته، فالشفافية -التي ينبغي أن تحكم المرحلة- غائبة تمامًا عن المشهد، وما نقرأه أو نسمعه من تفاصيل حول التحوّل لا يتعدّى التحليل، وإن كان ثمّة معلومات فهي لا تكفي لتقديمها كمادة يمكن الارتكاز عليها في تحليل الواقع أو الانطلاق منها للتنبوء بالمستقبل.
لهذا السبب (الغموض) نجد التناقضات في الآراء تجاه قضايا اقتصادية مهمة، مثل السعي لطرح جزء من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب، كما نصطدم بمفاجآت من قبيل تقديرات القيمة السوقية لهذه الشركة.
ورغم أن عملية الطرح ليست عادية أبدًا، بل يمكن أن تشكل منعطفًا في مسيرة الاقتصاد (سلبًا أو إيجابًا بناءً على المعطيات المختلفة) رغم كل ذلك لا توجد رؤية واضحة في الموضوع. هذا الغياب لا يؤسس لعلاقة متينة بين أطراف العملية التنموية والتحول الاقتصادي، فمفهوم الشفافية من المفاهيم التي لا يمكن أن نتصور غيابه في أي عملية تحول اقتصادي.
ومن فاضل القول إن أهم الأطراف التي يجب أن تلعب دورًا كبيرًا في المرحلة الجديدة القطاع الخاص، وهو القطاع المغيّب أو الغائب طوال الفترة الماضية عن التخطيط للتنمية الاقتصادية، بينما ينبغي أن يكون ركيزة النمو خاصة في ظل التوجه نحو الاقتصاد الإنتاجي غير الريعي.
ويبدو أن القطاع الخاص–إجمالًا- أسهم برضاه في أن يكون كما هو عليه الآن، إذ رضي أن يكون ضمن دائرة التأثير السلبي لسنوات الرخاء الاقتصادي، التي جعلت منه قطاعًا هشًّا معتمدًا على البرامج الحكومية، وارتضى أن يكون مجرد قطاع هامشي ينتظر برامج الإنفاق الحكومية المعتمدة بدورها على النفط، ولم يبادر إلى البحث عن منافذ أخرى.
إن الآثار التي خلّفها سلوك القطاع الخاص - نتيجة انسياقه التام للبرامج الحكومية- انعكس بوضوح في مقدار مساهمته في النواتج المحلية الإجمالية، فحصته ترتفع وتهوي مع مؤشر مساهمة النفط في تلك النواتج.
وللسبب نفسه فإن التقارير الاقتصادية تؤكد أن فاعلية القطاع الخاص خلال السنوات القادمة ستبقى تحت التأثير النفسي للإنفاق الرأسمالي الحكومي، إلى أن تتحقق خطط الإصلاح الاقتصادي وتتم عمليات إعادة هيكلة الاقتصاد.
في هذا الصدد، تهدف خطط الإصلاح الاقتصادي التي أعلنتها المملكة إلى زيادة مساهمة الناتج المحلي الإجمالي لقطاع التعدين إلى 240 مليار ريال مقارنة بحوالي 64 مليار ريال حاليًا، وتنظر الخطة إلى قطاع التعدين باعتباره جاذبًا لاستثمارات القطاع الخاص، كما يتطلع القطاع الخاص للاستفادة من 200 مليار ريال تشكّل حزمة تحفيزية ضمن برنامج التوازن المالي الذي أعلنته الحكومة، منها 42 مليارًا ستصرف خلال العام الجاري، ولهذا يتوقع أن يكون الإنفاق الحكومي العامل الرئيس لنمو القطاع الخاص خلال المرحلة القادمة ما يعني بقاءه تحت العباءة نفسها.
ربما من المفيد الاطلاع على التجارب الدولية في مجال التحولات الاقتصادية، ومن بينها تجربة الصين، فقد اضطلع القطاع الخاص فيها بمهام أساسية لدعم النمو وخلق الوظائف، لذا أسهمت شركاته بنحو 75% من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2010 و2012 وأسهمت بنسبة 90% من الصادرات.
خلاصة القول: أننا يجب أن نقلق على التحولات الاقتصادية الجديدة لأسباب كثيرة أبرزها غياب الشفافية، وكذلك ضعف مشاركة القطاع الخاص في التخطيط للمرحلة القادمة، إضافة إلى ضعف قدرته على اقتراح مبادرات اقتصادية مستقلة عن الإنفاق الحكومي.
القلق ربما ينعكس في شكل أسئلة عن مدى الجدية في التحول إلى اقتصاد إنتاجي ومقدمات هذا التحول، وعن معوقاته أيضًا.