مشكلة التصنيف والانتماء..
كثيرون في بلادنا يعشقون التصنيف، ولا يعرفون أنّ هناك من اقتنع منذ زمن بعيد أن لا يعشق فكرًا بعينه، وأن لا ينتمي لشخص بعينه، ومن الجميع يأخذ ويترك، هو أمين لشيء واحد ـ فقط ـ هو اقتناعه بالشيء من أيٍّ كان.
وكثيرًا ما نصنّف شخصًا على اتجاه فكري أو ديني أو مرجعي أو سياسي معيّن بكلّ تفاصيله وملامحه وأبعاده وزواياه، وكأنّ على المعجَب بشيء أن يُعجب بجميع الدائرة، وأن يبقى رهين دائرة واحدة بعينها، أو يُصنّف ـ من جديد ـ بأنّه ضد الدائرة كاملة.
قد أقتنع بفكرة لشخص، وأرفض له نفسه فكرة أخرى، وعن كلٍّ أعبِّر، فإن عبّرتُ عن فكرة الإعجاب فأنا لا أنتمي له في كلّ شيء، وإن عبرتُ عن فكرة النقد فأنا لا أخالفه في كلّ شيء، تلك هي الوسطية، وبناتها المدللات: العلمية والموضوعية والأمانة والنزاهة والقناعة والأصالة والاستقلال وفاعلية العقل.
يقول ربّنا ـ تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [سورة الزمر، الآية 18]، ويقولُ الرسول الأكرم : "العلم أكثر من أن يُحصى، فخذ من كلّ شيء أحسن"، ويقول أمير المؤمنين علي : "العلم أكثر من أن يُحاط به، فخذوا من كلّ علم أحسنه"، "خذوا من كلّ علم أحسنه، فإنَّ النحل يأكل من كلّ زهر أزينه، فيتولد عنه جوهران نفيسان: أحدهما فيه شفاء للناس، والآخر يُستضاء به".
وعلى الطرف المقابل تقول بعض أمثلتنا ومأثوراتنا العامية: (يا كلّه، أو خلّه)، (يا أسود، يا أبيض)، (يا يمين، يا يسار)، (إما معه، أو ضدّه)!!
ويترتب على هذا: إن قال الشخص فكرة صُنّف على اتجاه، وصُنّف ضد اتجاه!!، وصُنّف بالانتماء لاتجاه، وبالخروج عن اتجاه، وعلى اتجاه!!
هذا تصنيف حِدِّي..
وذاك تصنيف وسطي..
نحن شعارنا:
من الجميع نأخذ، ومن الجميع نذَر؛ لأنّ الحكمة ضالتنا، وقد خلق الله زهورًا كثيرة، وحتى أشجار الشوك الجارحة قد تحمل ورودًا نضرة، وأين وجدنا متاعنا أخذناه!!