أسئلة قبل الملتقى
يعرف الكثير من القرّاء قصة الطالب الياباني (أوساهير) وكيف استطاع نقل تقنية صناعة المحركات الألمانية إلى وطنه، وكيف تغير وجه اليابان لتصبح قوة اقتصادية عالمية، وهي قصة تكتنز الكثير من دروس الإرادة الجبارة والرغبة في النجاح من جهة بالإضافة إلى الدعم والتفكير الإستراتيجي الذي تميز به اليابانيون.
التفكير الإستراتيجي دفع رئيس البعثة الياباني في ألمانيا حينها إلى ابتكار مسار آخر لأوساهير عبر خوض تجربة التصنيع المباشر فأمره بالالتحاق بمصنع لصهر المعادن، لتنتهي تجربته بمحركات كتب عليها «صنع في اليابان».
ولأن التجربة البشرية أكبر معلم وجب علينا أن نستفيد من الآخرين في كيفية التخطيط الإستراتيجي والبحث عن مخارج الأزمات.. واليوم - حيث تكافح دولنا لإنعاش الموازنات ينبغي أن نكون أكثر اهتمامًا من أي وقت مضى بتجارب الدول والشعوب الأخرى، فمنذ عقود نسمع بالتجربة اليابانية لكننا بعيدين عن تلك التجربة وكأننا على خصام معها.
اعتبرت دول المجلس الصناعة خيارًا إستراتيجيًا، وقد ظلت –نظريًا- محط اهتمام الندوات والمؤتمرات، لكنها اليوم لم تعد خيارًا إستراتيجيًا فحسب، بل حاجة ملحة للخروج من الأزمة، وفرصة كبيرة لإعادة هيكلة الاقتصادات الخليجية ونقلها من الريعي إلى الإنتاجي، وأملًا لتحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص على صعيد التنمية الاقتصادية، عوضًا عن تركّزه بيد القطاع العام الذي تميّز بالترهل، ومن أجل دفع القطاع الخاص لممارسة دوره بعيدًا عن الإنفاق الحكومي.
غدًا ينطلق ملتقى «الصناعة ودورها في تنويع وزيادة مصادر الدخل والصادرات الخليجية»، يأتي هذا في ظل الأزمة الاقتصادية، مشفوعًا بآمال لتغطية الفجوة التي أحدثها انخفاض قيمة النفط عالميًا، حيث تشير التقارير إلى رغبة دول المجلس في رفع مساهمة القطاع الصناعي في النواتج المحلية الإجمالية لتصل إلى 25% بحلول عام 2020 مقارنة بـحوالي 10% حاليًا، وهذا طموح جيد يتطلب البعد عن التفكير الضيق والمصالح الآنية، وإلى توفير معطيات وبيانات جديدة حول واقعنا، فليس صحيحًا أن نرتكز في تخطيطنا لما سيأتي على قواعد بيانات تنتمي إلى مرحلة ما قبل هبوط أسعار النفط، فالمعادلات اختلفت والمزايا التنافسية لم تعد كما كانت.
ويبدو جليًا أن الاهتمام بالصناعة يتطلب تعزيز الاستقرار في الاقتصاد من خلال معادلة متوازنة بين السياسات المالية والنقدية وصرف السعر حيث سيساهم ذلك في تهيئة بيئة استثمارية صحية جاذبة بعيدة عن التقلبات الحادة الناتجة عن ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط، أو تقلبات سعر صرف الدولار.
من المؤكد أننا بحاجة إلى إثارة أسئلة من قبيل: كيف نصوغ سياساتنا المالية والنقدية في هذه المرحلة؟ وما هي الخطة لحماية اقتصاداتنا من اضطرابات الأسواق العالمية؟ هل نحن بحاجة إلى جذب استثمارات أجنبية؟ لماذا تتجه الدول الصناعية إلى ماليزيا وكوريا ودول شرق آسيا؟ ما الذي يمنعها من التوجه إلى دول المجلس؟ لماذا لم تستغل دولنا موقعها الإستراتيجي؟ هل ستبقى مناهج التعليم كما هي عليه.. أم أننا بحاجة إلى استبدالها؟ ما هي متطلبات سوق العمل القادمة؟ ما هي الخطة الجديدة لتنمية رأس المال البشري؟ ما هي المزايا التنافسية للصناعة الخليجية؟ أين ستتوجه الصناعات الخليجية؟ هل نمتلك الطاقات والكوادر لإدارة وتشغيل هذا القطاع؟ كيف نحقق طموح إحلال الواردات؟ هل التشريعات الحالية كافية لنمو القطاع الصناعي؟ هل البنى التحتية تلائم التوجهات الصناعية الحديثة؟ ما هي المحفزات الجديدة للتنمية الصناعية؟ كيف السبيل إلى إيجاد قطاع خاص تنافسي متنوع؟ هل ستكون قاعدة الصناعات القادمة هيدروكربونية؟ هل نتوقع تبدلًا في النموذج المتبع القائم على الإنفاق الحكومي؟