النجاح المهدوي : هل سينشر المهدي الدين والطاعة، أم سيكتفي بنشر العدل؟
إذا ظهر الإمام الحجّة المهدي ـ أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ـ فما مدى النجاح الذي ستحقّقه دولته المباركة؟
1ـ هل ستكتفي بنشر راية العدل والقسط، وإنهاء جميع أنواع الظلم والجور فحسب؟
2ـ أم ستضيف إلى ذلك نشر راية الدين الإسلامي خفاقة في ربوع المعمورة، بحيث ينضوي جميع الناس تحت راية (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، ويعتنق الجميع الإسلام؟
3ـ أم سيمتدّ نجاحها إلى دائرة أوسع مدًى من العدل، واعتناق الإسلام؛ لتنتهي الذنوب والمعاصي وجميع أنواع ومظاهر الفسق من على وجه الأرض، وتصل بالمجتمع الإنساني إلى مجتمع الطاعة، فتوصله إلى المجتمع الإنساني الملائكيّ الذي كمُل عقله ودينه وسلوكه معًا؟
تلك تساؤلات ثلاثة ملحّة ينبغي أن ندرسها بعمق وروية وفق مفادات النصوص الدينية الشريفة.
1ـ نشر العدل والقسط:
يرى البعض أنّ الوظيفة المنوطة بالإمام الحجة ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ تكمن في نشر راية العدل الإلهي على المعمورة، وتحقيق (دولة العدل الإلهي) في الأرض، لا نشر راية الدين الإسلامي لدى جميع الناس؛ مما يعني سيادة العدل الإلهي في دولته المباركة، واندحار فلول جيوش
الظلم والجور، لكنّ ذاك لا يمنع وجود الأديان المختلفة على الأرض على النحو الفردي، بل ووجود الكفر أيضًا، فضلًا عن وجود العصيان والفسق.
وقد عرض السيّد الشهيد حسن الشيرازي في كتابه (كلمة الإمام المهدي) السؤال التالي:
«هل يطهّر صاحب الأمر ـ عليه السلام ـ حين ظهوره الأرض من الذنوب؟«.
ثم أجاب ـ رضوان الله عليه ـ عن السؤال فقال:
«ليس في الأحاديث أنّ الإمام المهدي يطهّر الأرض من الذنوب، كلّ ما هنالك أنّه (يملؤها عدلًا وقسطًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا)، فهو يقضي على التجاوزات، لا على الانحرافات العقيدية والمسلكية التي تدور بين الفرد وربّه؛ فلا يبقى ظالم ومظلوم، ولكن.. يبقى الكافر والعاصي في نطاق الأفراد، أي لا تبقى غير راية الإسلام، أما الفرد الكافر أو الفرد العاصي فلا يُلغى من الأرض« (1).
ومن الأحاديث التي يسوقها أصحاب هذا الاتجاه:
أـ قال رسول الله : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يُخرِج رجلًا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا« (2).
ب ـ وقال رسول الله : «يكون من أمتي المهدي: إن قصُر عمره فسبع سنين، وإلا.. فثمان، وإلا.. فتسع، يتنعّم أمتي في زمانه
نعيمًا لم يتنعّموا مثله قطّ: البرّ والفاجر، يرسل السماء عليهم مدرارًا، ولا تدخر الأرض شيئًا من نباتها« (3).
وهذا الحديث يتكلّم عن تنعّم (البرّ والفاجر) في دولته المباركة؛ مما يعني وجود الفجّار على النحو الفردي فيها.
2ـ نشر العدل والإسلام والإيمان معًا:
وفي المقابل هناك من يرى ـ اعتمادًا على الروايات ـ أنّ دولته المباركة ستوحّد الناس جميعًا ضمن الدين الإسلامي، وأنّ الإمام الحجة المنتظر ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ سيبسط الإسلام حتى تشهد كلّ قرى الأرض به، ويرتفع نداؤه فيها جميعًا، بل ويتشهّد جميع الناس بالشهادتين، ويدخلون في الإسلام، ومن تلك الروايات:
أـ قال الإمام الباقر : «القائم منا، منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهر الله به دينه على الدين كلّه« (4).
ب ـ وقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: «فوالذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلا وتنادي بشهادة أن لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، بكرةً وعشيًا« (5).
ج ـ وقال الإمام الباقر في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون﴾(6): «إنّ
ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد ـ عليه وعليهم صلوات الله ـ، فلا يبقى أحد إلا أقرّ بمحمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ« (7).
د ـ وقال الإمام الصادق :
«إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كلّ حق إلى أهله، ولم يبقَ أهل دين حتى يظهروا الاسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعتَ الله تعالى يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾(8)، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد ـ عليهما السلام ـ، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعًا لصدقته، ولا لبرِّه؛ لشمول الغنى جميع المؤمنين«(9).
3ـ نشر العدل، والإسلام، والإيمان، والطاعة:
وهناك من يرى أنّ دولة الإمام الحجة ـ عليه السلام ـ لن تكتفي بالنجاح على صعيد نشر العدل والقسط، ونشر الدين الإسلامي في آفاق المعمورة، بل ستنشر راية الطاعة، وتكنس جميع أنواع الفسق والفجور والعصيان والذنوب من على وجه الأرض.
يقول السيّد محمد الشيرازي ـ قُدِّس سرّه الشريف ـ: «وحيث يكمُل عقل الإنسان في زمان الإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ تكون حياته الدينية على خير مرام، مما يهيّئه للمراتب العالية في الحياة الثانية؛ ولذا لا يوجد في دولة الإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ إلا
المتدينون، فلا فسّاق، ولا كفار، ولا منافقين، ولا عُصاة، كما دلّت الأدلة الشرعية، قال تعالى: ﴿يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾(10).
....، وعلى أيّ حال: فيكون الناس في زمانه ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ ملتزمين بالآداب الدينية والتعاليم الشرعية أشدّ التزام، والعمل حينذاك يكون وفق كتاب الله وسنة رسوله ، ولا انحراف عنهما من قِبَل أيّ أحد حتى قيد شعرة« (11).
ومن الروايات التي يقدّمها أصحاب هذا الرأي، وتصبّ في هذا الرافد:
أـ قال الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ متحدّثًا عن زمان المهدي المنتظر ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ: «تُؤتَون الحكمة في زمانه؛ حتى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله « (12).
ب ـ وقال أمير المؤمنين عن عصر الإمام الحجّة المهدي : «ويهلك الأشرار، ويبقى الأخيار، ولا يبقى من يبغض أهل البيت ـ عليهم السلام ـ« (13).
ج ـ وقال أمير المؤمنين عن الحجّة المهدي : «ولا يترك بدعةً إلا أزالها، ولا سُنّةً إلا أقامها« (14).