الحسين بن علي (ع) ( رحمة الله الواسعة )
روى المفيد والسيد في زيارة البعيد ، إذا أردت ذلك فمثل بين يديك شبه القبر واكتب عليه أسمه ( الإمام الحسين ) ثم قل ( ...السلام عليك يارحمة الله الواسعة ...).
إن لهذه الجملة المشهورة والتي يرددها معظم خطباء المنبر الحسيني في بداية أي حديث أو مجلس حسيني ، جواهر معرفية ودعوات إرشادية نحو الولوج في زقاق مدينة الرحمة وبساتين العفو .
أوليس كل واحد منا كبر أم صغر بحاجة ماسة إلى رحمة الله سبحانه ولا تكفي أعمالنا في سبيل الوصول إلى رضوان الله تعالى فكيف إذا كان الأمر بحاجة إلى الرحمة والدعوة إلى استلهام تلك النفحات من أوسع أبوابها فلا ريب تكون تراشيح الرضوان والقرب من نفحات الجنان أكثر وأظهر .وعلى إثر هذا الإجمال فهل يمكن معرفة مراد الإمام من قوله (...يارحمة الله الواسعة ...) كوصف لمصداقه الأتم وهو الإمام الحسين ؟ وما معنى ( يارحمة الله ) مجردة عن إضافتها الثانية ( الواسعة ) ثم مامعنى تركيب هذه الجملة وما هي حدودها وما هي صغريات هذه الكبرى وكيف يمكن طرق هذا الباب وما هي سبله ووسائله وما حدود هذه السعة وووو......ألخ .إلى غيرها من الاستفهامات .وما يهون الخطب هو إرجاعنا الفرع إلى الأصل ... حيث أنه بلا شك ولا ريب أننا عاجزين عن إدراك معرفة حدود رحمة الله بنحو مطلق كما أننا عاجزين عن إدراك علم الله سبحانه وتعالى وقدرته ، كذلك رحمته لا يمكن لنا إدراكها .
وهذا الفرع كون الحسين رحمة الله الواسعة من ذلك الأصل ، فلا يمكن إدراك تداعيات وحدود هذه الميزة العظيمة والخاصيـة الشريفة لسيد الشهداء .
ولعل الخوض في ذلك مصداقاً لقول أمير المؤمنين (عشرة يعنتون أنفسهم وغيرهم : ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس كثيراً ، والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس بذي فطنة والذي يطلب مالا يدرك ولا ينبغي له ... إلخ ) البحار ج 2 ص 51
وما نذكر ذلك إلا كنقل للحديث أو الزيارة من جهة ،وامتثالا للأمر ( وابتغوا إليه الوسيلة ) وللتزود من أهل الكمال للقاعدة العقلية من وجوب رجوع الجاهل للعالم ( فسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون ) وغيرها من الأصول التي تدعونا للتأمل في معاني كلام سادات الورى من جهة أخرى.
وبعد معرفة هذه التوجيهات للرحمة الواسعة وفي ضوء الظروف الراهنة التي نعايشها بشتى مجالاتها السياسية والعائلية والاجتماعية وغيرها يأتي السؤال :أين نحن من هذه الرحمة ؟ وما قدمنا لأنفسنا تجاه هذه الرحمة ؟وما عسانا أن نعمل تجاه هذه النعمة الكبرى لكي تشملنا رحمة الباري جل وعلا بسبب الحسين كشفيع ووسيلة من قبل الله سبحانه ...؟ وتأتي مفردات وعناوين كثيرة جداً تمثل حيزاً من محيط الرحمة الإلهية المتمثلة في قدس شخص الحسين ، فمنها التأدب في زياراته والتزود في معرفته والمداومة على ذكره والعمل على خدمته ونشر ظلامته والبكاء عليه والتأمل في جواهر كلماته والتأسي من كل سكناته وحركاته ووو...الخ
ولكن نخص بالذكر هنا مجموعة أمور ونركز عليها في سبيل النهوض بأنفسنا ومحيطنا لكي نصل إلى شرف أن نكون (حسينيين) .
- أولاً : التفرغ لخدمة الحسين .
قال تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) كان من عادة بني إسرائيل المؤمنين منهم يندرون بعض أولادهم وأطفالهم لخدمة بيت المقدس وبالتالي يتعلم الدين ويكون عالماً ومبلغاً.
أوليس حري بنا ونحن أتباع آل محمد أن نجعل من بعضنا خداماً للحسين ، وقد دعا المرجع الديني السيد صادق الشيرازي دام ظله في محاضرة مدونة في كتاب بحوث أخلاقية وقال ( ليكن في كل بيت خادم للحسين ، فكما يكون هذا طبيباً - مثلاً- والآخر مهندساً والثالث تاجراً أومهنياً أوغير ذلك فليكن أحدهم من خدمة الحسين ومنبره وقضاياه وهذا منوط بترغيب الوالدين وحثهما ) فإن لم يكن في كل بيت خادم للحسين فليكن في كل عائلة على أقل التقادير وهذا شرف عظيم في الدنيا والآخرة ، فانظر إذا كان أحد الخطباء الحسينيين مؤمنا حسينياً كيف العائلة بأسرها في الدنيا محترمة ومقدرة ناهيك عما تفيضه ( رحمة الله الواسعة ) (الحسين ) مما لا نراه في الدنيا قبل الآخرة .
- ثانياً : تبني العوائل للقضايا الحسينية.
نقرأ في التاريخ أن بعض الخدمات الكبرى كانت تتصارع عليها القبائل في الحصول على شرف تلك الخدمة كسدانة الكعبة وإطعام من كان في عرفة أو مزدلفة .. كما كان أيضاً عند بني إسرائيل من الأسباط وكل سبط عليه واجبات يقوم بها سواءً تجاه بيت المقدس أو في عموم خدمة الدين التوراتي .
ونحن بكوننا مقصرين - جداً- في المجال الحسيني من جهة ، وبكوننا من المجتمع الخليجي الذي أصبحت كثير من العوائل لها مجالس تسمى بـ ( المجلس العائلي ) يقوم بالاهتمام ببعض شئون العائلة الخاصة من جهة أخرى .
من الواجب علينا ( في المجلس العائلي ) أن نعين الضعيف لكي يستطيع أن يتقدم ويدرس ويتخرج ووو... كذلك من الواجب علينا أن نقوم ونعمل بالقضايا الحسينية كتبني خطيب من العائلة - كما تقدم أو بناء حسينية للعائلة أو طباعة كتاب عن الحسين او فتح موقع حسيني أو تبني مواكب العزاء أو نشر دوريات حسينية .....أو .....أو .....أو ..... ولا شك في أن صنع ذلك يؤتي أكله كل حين بإذن الله في الدنيا والآخرة ببركة الحسين .
- ثالثاً: تأسيس مراكز بحوث ودراسة عن الحسين .
إن الأمام الحسين منذ ولادته بل منذ كونه في الأحشاء المقدسة لأمه الطاهرة الزهراء إلى أن قطع أخر وريد منه بل حتى بعد استشهاده بل وإلى يومنا هذا وما نراه ونسمعه من بركات الحسين سواءً المباشرة أو غير المباشرة كتربته وزياراته وغيرهما .فإن هذا الزمن المتطاول وهذه الحياة الخالدة وهذه الرحمة الواسعة أليس من الواجب علينا أن نؤسس ( مركز البحوث والدراسات الحسينية ) ليشرف على الدراسات ويقوم بتشجيع الباحثين والدارسين والكتاب والشعراء والأدباء والقصاصين, لكي نوصل صوت وأسم ومعنى ( الحسين ) ( الرحمة الواسعة ) للعالم كله .
فمن العار علينا كطائفة لايوجد لدينا مركزاً بهذا الشأن في الوقت الذي نرى غيرنا يقول ( تعلمت من الحسين كيف أصبح مظلوماً فأنتصر ) وغيره يقول(لو كان لدينا الحسين لنصبنا فوق كل بيت له علماً) ونحن ليس لدينا غير محاولات فردية ( جليلة ومقدرة) ولكن الطموح في إيصال الصوت الحسيني والظلامة الحسينية والعلم الحسيني والرحمة الحسينية إلى كل العالم بكل اللغات في كل المجالات ( الحسينية ) من علم ومعرفة وكرم ومظلومية وقداسة وسخاء وشجاعة وبطولة وزهد وعبادة وصبر وحكمة وفصاحة وغيرها .....
- وفي الختام :
نتوج هذه المقالة بقصة ظريفة وجميلة تبين أن أقل خدمة للحسين وللقضية الحسينية لها آثارها بحيث تندرج ضمن ( الرحمة الواسعة) ولا نستقل أي عمل مهما كان :
نقل المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله) هذه القصة :
كان شخص في كربلاء باسم (مرتضى) يقوم في عاشورا من كل عام بتمثيل دور شمر بن ذي الجوشن وإحراق خيام الحسين جاء هذا الشخص إلى إيران ثم توفي في مدينة أصفهان . ينقل أنه رئي في عالم المنام وسئل عما صنع به فقال : عندما وضعوني في القبر جاءني منكر ونكير وسألاني من ربك؟ ومن نبيك ؟ ومن أمامك ؟.... وإذا بسيد الشهداء قد أقبل وأشار لمنكر ونكير أن يدعاني. ثم طلب مني أن أؤدي ما كنت أقوم به في يوم عاشوراء في حياتي . قلت سيدي:- أن هذا يتطلب فرساً وخياماً وعرصة . فأمر الأمام الملائكة ليهيئوا ذلك كله لي. ثم إني ركبت الجواد وقمت بالهجوم على الخيام وتحريقها وهنا رأيت الدموع تسيل من عين أبي عبدالله . عند ذلك قال الإمام الحسين هذا يكفي انتهى الأمر ثم منحوني القصر والبساتين والنعيم والذي أرفل فيه الآن ببركة مولاي سيد الشهداء .