وابل المطر
اعتادت بعض الأيدي على الأخذ! فيما اعتاد آخرون على العطاء، وبين الطرفين ثمة من يأخذ بيد ويعطي بالأخرى.
فمن أي الأطراف أنت؟
بداية، إن الأخذ لا يقتصر هنا على أخذ المال والأمور المادية باختلاف مشاربها، فأنت قد ترضع حبًّا يغذيك بالمكارم؛ لتحوز قلبًا حنونًا، يُغرق من حوله بالجَمال المنسكب عبر الابتسامة الصادقة التي تسعد من يلقاك، أو يستمع لكلماتك الحنونة التي ترقى بالأرواح المنهكة، فها أنت تأخذ حبًّا وتعطي الآخرين حياة بصورة راقية.
لكن، هل أنت تسعد وتُسَّر حين يقصدك المحتاج أم تتأفف وتستاء؟
هنا، دعني أجعلك تصغي للإمام الحسين عليه السلام وهو يوصي أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم".
لا تنزعج ولا يضيق صدرك عندما يقصدك الناس في حاجة، فأنت قد لا تتمكن من مد يد العون لهم بمساعدة مالية تقدمها. لكنك، قد ترشدهم لطريقة تدّر عليهم مالًا، وربما استطعت أن تدلّهم على من يقف بجوارهم ليعينهم، - كالمؤسسات الاجتماعية التي تستعين بأصحاب الخبرات ودارسو الحالات، وغيرها - فالبعض يعيش كالأعمى الذي لا يبصر طريقه إلا بواسطة أداة يستند عليها لتقوده نحو شاطئ السعادة، فلتكن أنت أداة الخير هذه.
قد يقصدك رجل هو بحاجة إلى كلمة طيبة تبلسم جرحًا نازفًا يدمي قلبه نتيجة تعرضه لموقف أُسري قاهر، أو ظُلامة اجتماعية، أو صدمة عاطفية. فكم سيكون مقدار السعادة التي ستجنيها حين تنتشله من الألم إلى الأمل، من الظلمة إلى النور، من الشقاء إلى السعادة؟
يكفي أن تبصر الابتسامة على شفتيّ من يستعين بك لتتناسى الساعات التي جلست فيها لتنقد يائسًا وتعيد له نبض الحياة.
الإمام الحسين عليه السلام بحق درس عظيم من دروس العطاء التي ينبغي أن نستلهم من مواقفه الكثير، والقصص التي تُنقل عنه في هذا الجانب عديدة، وأسجّل هنا موقفه مع الأعرابي الذي قصده وهو يطلب منه مبلغ دية قتله لابن عمه، فأمر له الإمام الحسين عليه السلام بعشرة آلاف درهم، وقال له: هذه لقضاء ديونك، وأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى، وقال له: وهذه تلم بها شعثك، وتحسن بها حالك، وتنفق بها على عيالك، فاستولت على الأعرابي موجات من السرور.
وقال عنده رجل: "إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع"، فقال له الحسين عليه السلام: "ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر".
أن نكون مثل وابل المطر في العطاء هو الدرس البليغ الذي نتعلمه من الإمام الحسين عليه السلام، وهو الإمام الذي قدّم كل ما يملك من أجل تحقيق كرامة الإنسان، انتصارًا منه لقيم الحق، لذا خرج - مع أنصاره وأهله ونسائه وأطفاله - ليقف سدًا منيعًا في وجه الباطل، رغم قلّة الناصر وخذلان أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم له وكأني به يقول على لسان القائل:
إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني
فماذا عنك وأنت تقرأ هذه السطور؟ هل عزمت على أن تكون مثل: وابل المطر؟