الإمام الرضا عليه السلام ... مواقف رضوية
في سيرة الإمام الرضا العديد من المواقف التي تتطلب التأمل فيها لاستخلاص أهم الدروس والعبر، وللاستفادة من سيرته العطرة فيما يتعلق بمختلف جوانب حياتنا الدينة والاجتماعية والثقافية.
وهنا نذكر ثلاثة مواقف كان لها دور في مسيرة الأمة:
التعامل مع المختلف معنا
كيف نتعامل مع من يختلف معنا فكرياً أو عقائدياً؟
عندما تظهر جماعة معينة تعارض وتخالف القيادة (الإمام)، فعلى القائد أن يتخذ موقفاً صلباً لكي لا يدع تلك الجماعة تعبث بعقائد وأفكار المجتمع، وهذا ما حدث في عهد الإمام الرضا عليه السلام حين ظهرت فرقة الواقفة، وكان للإمام الرضا تعاملا خاصاً بهذه الفئة يمكن تلخيصه:
لعنهم أمام أصحابه فقال (عليه السلام): (لعنهم الله ما أشدّ كذبهم).
وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: (بلغني أنّك تجالس الواقفة ؟) قال: نعم، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: (لا تجالسهم).
تحديد هوية من ينتمي إليهم حيث قال فيمن سأله عن الواقفة : (الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير).
- المساهمة في حل الأزمات
من الأدوار الأساسية للقائد، وهي حل المشاكل، وتجاوز العقبات، بل أن القائد لا يكتفي بحل المشكلة بل كيفية حلها بأفضل الطرق من ناحية قلة الآثار السلبية وعظم التأثير الإيجابي. ولا شك أن عدم امتلاك القائد لهذه القدرة هو شهادة بعدم الكفاءة والأهلية لهذا المكان.
وهذه الفكرة تجلت في حادثة احتباس المطر، حيث أن البعض من حاشية المأمون والمبغضين للإمام كانوا يقولون: انظروا لمّا جاءنا علي بن موسى وصار ولي عهدنا، حبس الله عنّا المطر.
فطلب المأمون من الإمام أن يدعو الله لكي يمطر الناس، فخرج إلى الصحراء وخرج الناس ينظرون، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : (اللهم يا رب أنت عظّمت حقنا أهل البيت، فتوسّلوا بنا كما أمرت وأمّلوا فضلك ورحمتك وتوقّعوا إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً عاماً غير رايث، ولا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى منازلهم ومقارّهم) .
ويقول الإمام محمد الجواد راوي الخبر : (فو الذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت وأبرقت وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر) .
وأخبرهم الإمام أن هذا السحاب هو للبلد الفلاني، وهكذا إلى أن أقبلت سحابة حادية عشر، فقال (عليه السلام) : (أيها الناس هذه سحابة بعثها الله عَزَّ وجَلَّ لكم، فاشكروا الله على تفضله عليكم وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم فإنها مسامتة لكم ولرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالى وجلاله).
فانصرف الناس ونزل المطر بكثافة فجعل الناس يقولون : هنيئاً لولد رسول الله كرامات الله عَزَّ وجَلَّ.
- مؤتمرات وحوارات علمية
في ظل انتشار مجموعة من الأفكار والعقائد الفاسدة، مارس الإمام الرضا عليه السلام دوره العلمي، واقام عدة مؤتمرات حوارية مع مختلف الأديان والعقائد، وقد كانت تلك الحوارات تعتمد على العقل والمنطق والإقناع بالأدلة العلمية و الحجج المنطقية و الابتعاد عن التعصب والتشنج والترهيب والتهديد والانفعال العاطفي.
فكانت هناك حوارات مع: الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زردشت، وعلماء الروم، والمتكلمين، وقد احتجّ الإمام بالكتب المعتبرة عندهم، وقد اعترف الجميع بأعلمية الإمام ، بعد ان فنّد حججهم ، فأذعنوا لقوله، واعترفوا بصحة أفكاره وآرائه .
وكانت نتيجة هذه الحوارات، اقتناع الجاثليق ولهذا قال: (القول قولك، ولا اله إلاّ الله).
كما أسلم عمران الصابي وقال : (أشهد أن الله تعالى على ما وصفت ووحّدت، وأشهد أنّ محمداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ثم خرّ ساجداً نحو القبلة).