| 6 |
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ
(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)
وقفتنا في هذه المقالة ستكون مع المقطع الأول من هذا الجزء من الآية 128 من سورة النساء، وهو قوله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.
هذه الجملة معترضة جاءت في سياق الحديث عن حل الخلافات داخل البيت الأسري الواحد، حيث المقطع الذي قبلها هو قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً)، فالآية تتحدث عن خوف المرأة من نشوز بعلها أو إعراضه، وذلك بظهور بعض الأمارات والعلامات الدالة على ترفعه عليها وعدم معاشرتها بالمعروف، كأن يصدّ عنها ويزهد في مقاربتها، أو يترك الإنفاق عليها، أو يصرف وجهه عنها، ممتنعا عن محادثتها والتفاعل الإيجابي معها.
في هذه الحالة ماذا تفعل المرأة؟
هل تقابله نشوزه وإعراضه بمثلهما؟ أم تذهب إلى خيار الافتراق وقطع العلاقة من جذورها؟ أم أن هناك خيارا ثالثا؟
الجواب هو: (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) أي اختيار طريق الإصلاح على النحو الذي يتفقان عليه، دون خيار الطلاق والانفصال، وهدم الكيان الأسري. وقد يتم ذلك عن طريق تنازل أحدهما أو كليهما عن بعض حقوقه، ولا بأس في ذلك، أو بحسب التعبير القرآني (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما). وفي هذا تشجيع لهما على المضي في طريق الصلح.
ثم يؤكد المقطع التالي الذي نحن بصدده على الصلح مؤسسا لقاعدة هامة عامة في العلاقات الاجتماعية بقوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). يقول صاحب تفسير مواهب الرحمن عن هذا المقطع من الآية: "جملة معترضة تبيّن حكما اجتماعيّا عامّا ترشد إلى أنّ الصلح في جميع الأحوال خير وحسن، خصوصا في مورد الخصومة والتباغض والتباعد بالافتراق وغيره؛ لأنّ في الصلح سكون النفس وهدوء البال وراحة الضمير، وبه تتحقّق السعادة وتزول النفرة والاختلاف، وعلى هذا تكون كلمة « خير » لبيان خيريّة الصلح لا لبيان الأفضليّة، فإنّ الصلح والوئام خير في حدّ نفسه، سواء كان هناك خلاف وتباغض فيرفعان بالصلح أم لم يكن".
ويقول صاحب تفسير تيسير الكريم الرحمن: "ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى ، أن الصلح بين من بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء ، أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه ، لما فيه من الإصلاح ، وبقاء الألفة ، والاتصاف بصفة السماح".
خيار الصلح ينبغي أن يكون هو الحاضر دائما قبل الخيارات الأخرى، لرفع أي خصام أو نزاع أو خلاف قائم فعلا، أو لدفعه ومنعه عند توقع حدوثه، وذلك كإجراء وقائي احترازي. وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم والأحاديث والروايات الشريفة. يقول تعالى: (ِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وقال: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ). وعن النبي : الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما. وعن الإمام الصادق قَالَ: لأَنْ أُصْلِحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارَيْنِ.
ما أحوجنا لتفعيل خيار الصلح بيننا، خصوصا في هذا الزمن الذي يبتعد فيه الأخ عن أخيه، والصديق عن صديقه، والشريك عن شريكته، لأسباب يمكنهما حلها عن طريق شيء من التفاهم والتنازل، ومن ثم الوصول لصلح يحفظ الودّ ويبقي العلاقة، ويتحقق من خلاله الخير لكلا الطرفين. ففي النهاية يربح الجميع.