المحقق النراقي
يمتاز الشيخ محمّد مهديّ النراقي (١) بشخصيّة قويّة وملكات نفسيّة فريدة، فقد عُرف عنه الصبر وقوّة الإرادة، وتفانيه في طلب المعرفة، وعزّة النفس، وهذه الصفات كانت راسخة في أعماق نفس النراقي، وعلى درجة ملحوظة، فممّا يُنقل عنه: أنّه كان فقير الحال شديد الفاقة أيّام تحصيله الدراسيّ، حتّى أنّه لَيعجز عن تدبير ثمن السِّراج الذي هو من زيت أو شمع في ذلك العصر، فيدعوه حرصه على العلم إلى المطالعة ليلًا في ممرّات المدرسة ودهاليزها، وتأبى عليه عزّته أن يدَعَ غيرَه يشعر به وبحاله.
- ومما ينقل في أحواله:
أنّ أحد الكسبة ـ وكان حانوته في طريق المدرسة العلميّة بكاشان حيث كان النراقي يسكن فيها ـ قد لاحظ على هذا الطالب رثّة ثيابه، وكان معجَبًا بأخلاقه حينما كان يشتري منه بعض ما يحتاج كسائر الطلاب. فرأى هذا الكاسب أن يكسوه تقرّبًا إلى الله تعالى، فهيّأ له ثيابًا تليق بشأنه وقدّمها له عندما اجتاز من أمامه، فلم يقبل النراقيّ ذلك إلاّ بعد إلحاح، ولكنّه عاد في اليوم الثاني إلى الكاسب وأرجع إليه الثياب قائلًا له:
إنّي لمّا لبستها لاحظتُ على نفسي ضَعةً لا أُطيقها، لا سيّما حينما اجتاز عليك، فلم أجد نفسي تتحمّل هذا الشعور الثقيل. ثمّ أرجعها إليه شاكرًا، ومضى معتزًّا بكرامته.