مذكرات أمل (1)
استيقظتُ من النوم فرأيته واقفا مكانه….
هكذا أنت كما عرفتك منذ صغري …منذ أن وعيت هذه الحياة، قالت لي أمي هذا (أشارت إليك) سيهتم بك ..
أنت تعرف الكثير من أسراري.. أحزاني ..أفراحي…
أحزاني عندما نذهب للمستشفى، معاناتي مع المواعيد، إجراء الفحوصات…أحزاني عندما أتعرض لمواقف صعبة…
نعم أفراحي عندما نذهب لحفلة ما ..لا تتركني وحدي …تقف معي في الحفلة .. نظل مكاننا لا نرقص مع بقية الأطفال…نقف نتفرج …
هيا يا صديقي تقدم لنبدأ رحلتنا اليومية …هيا للننهض في تفاؤل، ونعيش صباحاً جميلا، ها هي الشمس تشرق من جديد، تشرق وتبعث فينا الأمل، تملأ الأرض نوراً ودفئاً، لنبدأ بشكر الله وحمده على ما أنعم علينا من نعم نعجز عن حصرها، دعنا نبتسم ليومنا الجديد…
أعرف أنك لن تتحدث كعادتك ….لقد تعودت على صمتك…ولكن، هيا لنخرج …لاشك أن أمي قد أعدت لنا الإفطار… طبعاً هو إفطاري وحدي … أنت لا تأكل، لا تشرب… ولكنك قوي، لقد تحملتني كثيراً، كنت أقسو عليك ولكنك لا تصرخ في وجهي … أنت مطيع.. الحمد لله أني أمتلك مثلك.
لقد قرأت عن ناجحين في هذه الحياة كنت أنت رفيقهم.. منهم ستيفن هوكينغ، أستاذ الرياضيات في جامعة كمبريدج البريطانية وعالم الفيزياء الفلكية الذي يعتبر واحدا من أذكى العقول على كوكبنا، وكانت آخر كلماته:” “تذكروا أن تنظروا إلى النجوم لا إلى أقدامكم. حاولوا أن تجدوا معنى لما ترونه وتفكروا فيما يجعل الكون موجودا. كونوا فضوليين”.
قرأت كتاب فرانكلين روزفلت “إلى القمة على كرسي متحرك”
ملخصه: «فرانكلين دلانو روزفلت» لم تكن شخصيته بالعادية، فهو لم يكسر قاعدة واحدة فقط، إنما استطاع كسر المزيد، فهو الرئيس الذي عانى في بداية حياته من شلل الأطفال، ولكن ذلك لم يكن بالعائق المانع لأحلامه، فقد استطاع بنجاح فائق أن يقود أمريكا وهو جالس على الكرسي المتحرك، حتى صُنف الأكثر قوة وحزم على مدار التاريخ الأمريكي كله.
كنت أتصفح في اليوتيوب فوجدت مقطع يوتيوب لشاب في الصف الثالث ثانوي اسمه حسن أحمد الرميح من مدينة سيهات بمحافظة القطيف، عندما تأملت في القطع وجدت أن هذا الشباب بأطراف قصيرة (يداه ورجلاه)! ولكنه ناشط اجتماعي، له حضوره المميز في المحافل الاجتماعية، متفوق في دراسته، هذا الشاب قام بمشروع علمي في مجال (نظم البرمجيات) حول التحسين من جودة التعرف على النصوص، فكرة هذا المشروع هي تقديم خدمة للمكفوفين، وأحدهم والده الذي كان يريد قراءة الكثير من الكتب، لكنها كانت كتب ورقية وليست إلكترونية.لذلك فكر هذا الشاب بهذا المشروع وهو بهذه الحالة من الإعاقة…
لقد اطلت عليكم الحديث عن صديقي وحبيبي، إنه الكرسي المتحرك، نعم هو حبيبي لأنه معي في السراء والضراء … وإليكم سأسرد حكايتي…
دعوني أحدثكم عن مرضي قليلا
عندما كانت أمي حاملا بي، أخبرتها الطبيبة أن الجنين به مشكلة صحية، ربما يكون معاق..
صمتت الطبيبة،نظرت إليها أمي … لم تتكلم، ثم خرجت من العيادة وعيناها مغرورقة بالدموع، استقبلها أبي، سألها ما بك؟!
أجابته: الجنين به مشكلة صحية … ربما يكون معاق…
صمت أبي ..ثم قال: كوني مؤمنة ” وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” الأنعام /71 هكذا أمرنا ربنا …
قالت أمي: ونعم بالله، الحمد لله،
مضت الأيام…
ذات يوم … قالت أمي: تعال يا أبا خالد … ضع يدك على بطني … هل تشعر بحركته …
ابتسم أبي وقال: نعم هو يتحرك …
قالت أمي: الحمد لله … إذاً ما تقوله الطبيبة غير صحيح، في الموعد القادم سأخبرها بهذه الحركة…
في عيادة متابعة الحمل قالت أمي: إني أشعر بحركة الجنين، فما هي المشكلة التي يعاني منها؟!
قالت الطبيبة: نعم هي حركة يداه … ولكن ربما رجلاه لا تتحركان ….
صعقت أمي عند سماعها هذا الكلام
قالت الطبيبة: آسفة لهذا الكلام ولكن هذه نتيجة الأشعة … ولم يتبقى سوى شهر على ولادتك… كوني مؤمنة بالله…
كانت أمي تريد معرفة صورة هذا الجنين الذي سيخرج لهذه الدنيا، حينها لم يكن متوفر الانترنت.. صارت تتخيل شكلي، صورة الرأس، القدمين، البطن، … صارت الأفكار والصور تدور في مخيلتها …
ذات يوم قالت أمي لأبي لقد نفذ صبري.. أريد أن أرى هذا المولود، وصارت تبكي…
ربت أبي على كتفها وقال: كل شيء بقدر الله …
بعد شهر ولدتني أمي، وكانت الولادة سهلة ميسرة، دون اللجوء للطلق الصناعي أو العلميات الجراحية…
كانت خائفة مما ستراه، كيف سيكون شكل هذا المولود…
جاء أبي وقال الحمد لله على السلامة يا أم خالد…
سألته أمي هل رأيتها؟!
أجابها بعين دامعة، نعم رأيتها… ولكن …
قالت أمي ولكن ماذا؟
لم يستطع أبي الكلام …
همسة أمل
النجاح لا يحتاج إلى أقدام بل إلى إقدام.
تابعوا معنا الحلقة القادمة