كيف ندافع عن أنفسنا ؟
مع تصاعد الأخطار التي تواجهنا يوميا تفرض علينا التحديات ان نسلك طرقا آمنة لمواجهتها دون الوقوع في استفزازاتها والسقوط في ردود الأفعال الآنية والسلبية.
والبحث عن آليات عمل حضارية إنسانية متطورة هو من أهم ملامح تطور المجتمع نحو المدنية والتخلص من حالة الفردية والعنف والغوغاء والفوضوية وردود الأفعال الحماسية والعاطفية.
فالأخطار التي تواجهنا كبيرة ومتنوعة، إذ تطالعنا يوميا قنوات الأخبار الفضائية بأخبار جديدة عن جرائم قتل لمواطنين عراقيين يلقون حتفهم في عمليات إرهابية في مناطق مختلفة لاسيما المحافظات الملتهبة بما فيها العاصمة بغداد، فقد أعلن عن العثور على جثث 13 شيعيا قطعت رؤوسهم في منطقة اللطيفية جنوب بغداد. وقبل ذلك قام انتحاري بتفجير نفسه في رواد مسجد تابع للشيعة في الموصل أثناء مجلس للعزاء مما أدى إلى قتل 50 شخصا وإصابة أكثر من ثمانين جريحا، وقبله قام انتحاري أردني بتفجير سيارة ملغومة في مبنى صحي في مدينة الحلة مما سفر عن قتل أكثر من 150 مواطن.
كما يتصاعد باستمرار ملف الفساد الإداري والاقتصادي في دوائر الدولة العراقية الجديدة، وقد وصل في الآونة الأخيرة إلى أعلى مستوياته منذ سقوط النظام العراقي السابق، إلى درجة أصبح الفساد الإداري عقبة حقيقية تقف في سبيل تطور أداء الحكومة العراقية، مما ينذر بإخطار كبيرة تهدد كيان الدولة والمجتمع معا وتهدد الديمقراطية الناشئة في العراق.
يعنى ذلك كله، أن العراقيين جميعا معرضون للخطر، ولكن يعني أيضا- من جهة أخرى- أن على العراقيين جميعهم أن يواجهوا الإخطار بأنفسهم، ولا ينتظروا المنقذ الذي سوف يخلصهم مما هم فيه بل لابد أن يدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم.
وإذا كانت الأعمال الإجرامية التي ترتكب ضد العراقيين ، قد أصبح واقعا مفروضا عليهم فأن ذلك يستوجب أيضا رد فعل طبيعي..
فكيف ندافع عن أنفسنا ؟ .
لا نستطيع معرفة ردود فعل عامة الناس ضد الجريمة التي ترتكب ضد الأبرياء، لأنها مرهونة بالجريمة وبشاعتها وضحاياها، ولكن من الناحية الانفعالية فان لكل فعل رد فعل والفعل العنيف لابد أن يواجه بالعنف، فالعين بالعين والسن بالسن والبادي ِأظلم، وهو رد طبيعي وفطري لا يتحسسه إلا أولائك الذين كانوا ضحية تلك الجرائم المقصودة.
ولكن ما يحصل في العراق مع العراقيين يحتاج إلى المزيد من الصبر والحكمة، وإلى المزيد من التخطيط والحنكة، لان قضية الإرهاب في العراق لا تتعلق بفرد من الأفراد، أو أسرة من الأسر، راح والدها أو معيلها في عملية انتحارية، بقدر ما يتعلق الأمر بالقيم والمبادئ والمستقبل الآمن الذي يبحث عنه العراقيون منذ مدة طويلة، لان الإرهاب الجسدي الأعمى، وكذلك الإرهاب المعنوي المتمثل بالفساد الإداري ، يستهدف ضرب البنى الاجتماعية ونشر الفوضى وجر البلاد إلى حالة اللااستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .
وهذا يستدعينا لأن نفكر بطرق أكثر عقلانية وحكمة حتى لان نقع في الفخ لان المقابلة بالمثل هو ما يريد أن يجرنا إليه قادة الإرهاب.
أولا: وقبل كل شيء لا يجب أن نلتزم الصمت أمام همجية الإرهاب الصاعد، ولا يجب أن نسكت عن مسلسل الفساد المستفحل؛ لان المواقف الصامتة لا تحل المشاكل ولا تداوي الجروح،
وثانيا: لا يجب أن تكون خططنا ردود أفعال ارتجالية، لأفعال إرهابية على درجة عالية من التخطيط والمهارة، لان الإرهاب المدروس لا يواجه أبدا بردود أفعال بسيطة غير مدروسة.
وإذا كان حفظ الأمن والاستقرار في الشارع العراقي، أو في دوائر الدولة ومؤسساتها، من مسؤوليات الأجهزة الأمنية ومسئولي الدوائر على التوالي، فهي صاحبة الاختصاص ولديها اليد الطولى لما تمتلكه من قوة لوجستية واستخباراتية، في مكافحة الجريمة الإرهابية والاختلاسية، فان المواطنين العراقيين يمتلكون قدرات اجتماعية وحضارية كثيرة في الوقاية من الجريمة أو الحيلولة دون تكرارها، ولكن هذه القدرات الإنسانية متوقفة أولا:على أدراك المسؤولية الجماعية الملقى على عاتق جميع العراقيين؛ لان الإحساس الجمعي بشمولية الأخطار يحفز في المجتمع العراقي الرغبة على مكافحته، وثانيا: على شعور المواطنين بان المصالح العامة هي تجمع مصالح خاصة، وبالتالي فان المساس بها يعنى بنحو من الأنحاء المساس بالمنافع الفردية التي يسعى الأفراد منفردين إلى حمايتها وصيانتها من عبث العابثين.
ونخلص مما تقدم أن الدفاع عن النفس لصد الهجمات الإرهابية في العراق، لا يكون في كل الأحوال بالسلاح والعتاد والانفعالات غير الحضارية، وليست هذه كل وسائل الردع، لأن الدفاع عن المصالح الوطنية والإنسانية في الزمان الحاضر يمكن أن يتخذ العديد من الصور الحضارية، نذكر بعضها:
- تحمل المسؤولية فرديا عبر الاعتماد على مفهوم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، واجتماعيا عبر تشكيل الجماعات الأهلية والمدنية المنظمة بهدف حماية الحقوق الفردية والاجتماعية.
- نشر ثقافة الحياة والسلام واللاعنف الاجتماعي، ونبذ ظاهرة الموت والإرهاب والقتل والتدمير، لسد الطريق على الدعوات المنحرفة فكريا ودينيا وعقائديا. ونشر ثقافة اللاعنف هي من بين مسؤوليات الحكومة ووزاراتها ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
- التعبير الحضاري اللائق لرفض الإرهاب، بكل أشكاله وصوره، عن طريق الإضرابات السلمية وأساليب العصيان المدني غير العنيف.
- ضبط النفس وعدم الانسياق وراء الانفعالات وردود الفعل المستعجلة التي تؤثر على العملية الانتقالية السلمية للسلطة في العراق، لان الانفعال لا يزيد المشكلة إلا تعقيدا.
- قيادة حملة شعبية واسعة بمشاركة علماء المسلمين كافة في النطاقين العربي والإسلامي للتنديد بالإجرام الإرهابي، وعده عملا خارجا عن الدين والعقيدة والأخلاق والإنسانية.
- رفع الشكاوي القضائية ضد الدول التي ينتمي إليها الإرهابيون، والمطالبة بتقديم التعويضات المعنوية والمالية لذوي الضحايا، وإلزام دول الإرهابيين بمكافحة الخلايا الإرهابية في بلادها، ومنعهم من تجاوز الحدود الدولية بما يشكل خرقا للحدود بين البلاد.
- تأسيس جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق، لتتولى الدفاع عن حقوق الضحايا وأسرهم محليا وإقليميا ودوليا.
- اللجوء إلى القانون والقضاء من اجل المطالبة بالحقوق عبر رفع قضايا ضد الجماعات او الحكومات التي تهدد صالح الأفراد والمجتمعات، وهذا يستلزم نشر الثقافة الحقوقية والقانونية بين الناس.
- مطالبة الحكومة والجمعية الوطنية ومجالس المحافظات والأحزاب بممارسة الشفافية مع الناس الذين انتخبوهم ووضعهم في حالة اطلاع على مجمل المجريات والتطورات.
- نقترح على الجماعات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني القيام بحملة دولية شاملة من اجل اطلاع الرأي العام الدولي بما يجري في العراق وفتح علاقات مع المنظمات الدولية والمدنية في العالم.