كيف نملك عزيمة وإرادة للتغيير

شبكة مزن الثقافية
السيد مرتضى المدرسي
السيد مرتضى المدرسي

كيف نملك عزيمة وإرادة للتغيير، "عادة" ما تكون هناك الكثير من القرارات الجادة بالتغيير ليلاً.. لكنّها تنتهي بحلول الصباح؟

الجواب: دعنا بداية نفكر لماذا تتغير قرارات الإنسان؟ بينما نجد أن بعض القرارات الأخرى ثابتة لا تتغير، فأنت اليوم في الجامعة لا تتغير إرادتك عن الدراسة واكمال مِشوارك العلمي حتى الحصول على الشهادة، بينما تتغير الإرادة تجاه تغيير وضع جسمك بالرياضة وصحتك بالحِمية، وعلاقتك بالله بالعبادة وهكذا..

حين ندقق نجد أن القرارات المستمرة فيها أربع ركائز:

الأولى: التصديق بالفائدة؛ بعض الأعمال نتائجها سريعة، ولأن الإنسان يرى ثمرتها فهو مستعد للإستمرار فيها، تماماً كالذي يحصل على المال من خلال معاملة تجارية فهو بلا شك سيقوم في اليوم التالي لأجل معاملة جديدة، لكن بعض الأعمال نتائجها تتأخر كثيراً، مثل تغير وضع الجسم من خلال الرياضة، وهنا يحتاج الإنسان إلى التصديق بالفائدة فإذا كان موقناً بالفائدة من خلال الاستمرار فإنَّه وفر الركيزة الأولى للاستقامة، والتي يعبّر عنها البعض بـ"قوّة الدافع"، وأمّا إذا كانت منطلقة من العواطف أو المواقف العابرة، أو الدوافع الخارجية المؤقتة فإنّها ستنتهي سريعاً.

الثانية: الشعور بالمتابعة؛ فالطالب في المدرسة يقرأ الكتاب من الدفّة إلى الدفّة لأنّه يرى أنّ هناك من سيحاسبه على هذا الأمر، بينما لو فتح كتاباً ثقافياً عامّاً فربما يبقى على طاولته لسنوات وهو لا ينظر إليه حتى، فهذا يعود إلى الشعور بالمتابعة والمحاسبة، وهذه الركيزة يجب أن يوفرها الإنسان في كثير من قراراته، خصوصاً في المجال الديني، حيث تكون المحاسبة النفسية منطلقة من أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وأن هناك كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنَّ المولى صاحب العصر والزمان يطّلع على أعماله.

الثالثة: الدعم الاجتماعي؛ الإنسان كائن اجتماعي ولذا تجده أنشط حين يكون مع الآخرين، فالشخص لا يجري مسافة المارثون إلا لوجود آلاف آخرين معه، وهكذا هي الحياة غالباً، فتصوّر لو أنك في الجامعة تدرس لوحدك، هل يمكنك أن تُكمل مسيرتك العلمية؟! بالطبع سيكون النادر من الناس من يكمل ذلك.
وهذا ما يسمى في القرآن الكريم بالـ"تواصي" فالمؤمن في طريق الحق يحتاج إلى من يوصيه بالصبر، بالحق، بالمرحمة، لكي يسلك طريق التغيير صعوداً للتخلص من العادات السيئة أو اكتساب العادات الحسنة.

الرابعة: المرونة في التخطيط؛ لا يمكن أن ينجح الإنسان في أي قرار ما لم يضع له خطّة، أو يسلك خطّة أعدت له سلفاً، فالتفكير في أي قرار يجب أن يتضمّن الخطة التي يريد الإنسان من خلالها الوصول إلى ذلك، فإذا اردت ان اتعلم لغة جديدة، كم سأضع من الوقت يومياً؟ وما هو الهدف الذي أريد أن اصل إليه؟ ما هي الأدوات التي ستساعدني في ذلك؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تسمى بقاعدة: (one husband five wives)،

لكن مع ملاحظة أن هذه القاعدة تفتقر إلى المرونة، فالخطة الناجحة هي التي فيها مرونة في التعامل مع المتغيرات، والتي يشير إليها ربنا سبحانه وتعالى فيه قوله في سورة الكهف: [وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا].

الخلاصة: إذا أردت أن تتغير فقم بتقييم دوافعك أولاً وأهدافك بشكل واضح، وضع خطة للوصول إلى هدفك، ولتكن هذه الخطة فيها مرونة تتناسب مع يومياتك، وضع فيها ما يُشعرك بالمتابعة والمحاسبة، وكذلك من يوصيك بالإستقامة حتى تحقيق الهدف، حتى لا تكون مِصادقاً للمثل العربي القائل: كلام الليل يمحوه النهار!