عروج إلى الحسين
إِنِّي الذَّبِيحُ بِحَيرَتِي وَعَذَابِي
قَدْ مَزَّقَ الحُزنُ المُقِيمُ شَبَابِي
وَأَنَا الطَّرِيدُ.. وَقَدْ رَغِبتُ إِلَى العُلَا
هَبنِي بِفَضلِكَ يَا عَلِيُّ صَوَابِي
(أَي رَبِّ جَلِّلنِي بِسِترِكَ) عَلَّنِي
أَرقَى لِعَرشِكَ بَعدَ طُولِ غِيَابِ
أَمسَيتُ مَذعُورَ الفُؤَادِ يَمُضُّنِي
أَنَّ السَّمَاءَ غَدَتْ كَلَمحِ سَرَابِ
وَالمَوتُ يَكسُو بِالجِرَاحِ قَصَائِدِي
تَذوِي.. فَأَذوِي مِنْ أَلِيمِ عِقَابِي
لَا لَونَ فِي هَذَا التُّرَابِ.. وَلَا سَنًا
لَا لَحنَ غَيرَ مَرَارَةِ الأَوصَابِ
أَنَّى نَظَرتُ فَفِي الدُّنَا.. قَسَمَاتُهَا
رَشَّتْ نَقِيعَ السُّمِّ فِي أَهدَابِي
فَتَسَابَقَتْ نَحْوَ الضِّيَاءِ مَرَاكِبِي
هَا قَدْ أَتَيتُكَ حَامِلًا أَحطَابِي
اللَّهُ.. إِنِّي فِي هَوَاكَ مُعَذَّبٌ
وَأَنَا الغَرِيبُ وَدَمعَتِي مِحرَابِي
وَأَنَا بِجُبِّ الهَمِّ أَقضِي وَحدَتِي
عَلَّ القَوَافِلَ أَنْ تَرُدَّ جَوَابِي
شَعبَانُ هَلَّ.. نُبُوءَةً قُدسِيَّةً
عَنْ مَولِدٍ فِي رَوضِهِ الخَلَّابِ
اللَّهُ.. وَالفِردَوسُ فَاضَ بِحُبِّهِ
يَكسُو الدُّنَا بِضِيَاءِهِ المُنسَابِ
بِسَوَاسِنِ الغُفرَانِ شَرَّعَ بَابَهُ
طُوبَى لِوَارِدِهِ وَحُسنُ وَمَآبِ
أَنَا فُطرُسٌ.. يَا رَبِّ فَاغفِرْ زَلَّتِي
وَارحَمْ مَسِيلَ مَدَامِعِي وَسَحَابِي
هَذَا جَنَاحُ خَطِيئَتِي وَتَخَبُّطِي
أَلزَمتَنَيهِ عَلَى الخِنَاقِ كِتَابِي
قَدْ قَصَّهُ ذَنبِي وَرَيثُ إِجَابَتِي
رُغمَ اليَقِينِ عَلَى مَدَى الأَحقَابِ
أَنَا فُطرُسٌ.. يَجثُو السَّنَاءُ بِدَاخِلِي
لِلمَهدِ.. خَيرُ مَحِلَّةٍ وَجَنَابِ
وَسَأَلتُ أَطْيَافَ السُّهَادِ بِدَمْعَتِي
أَهُوَ السَّبِيلُ لمُنيَتِي وَرِغَابِي؟
فَأَجَابَنِي صَوتٌ يُطَهِّرُ مُهْجَتِي
وَيُزِيحُ عَنِّي سُدفَتِي وَضَبَابِي
هَذَا الظِّلَالُ لِعَرشٍ رَبِّكَ فِي السَّمَا
مَا كَانَ قَولَ مُقَلِّدٍ مُرتَابِ
فَوَجَدتُهُ لِلنُّورِ مَبدَأَ رِحلَةٍ
وَهُوَ الصِرَاطُ وَمُؤنِسِي بِتُرَابِي
وَكَأَنَّهُ لَوحُ النَّجَاةِ مُنَمَّقٌ
بِاسمِ الحُسَينِ وَسِيلَةِ الأَوَّابِ
فَهُوَ الَّذِي قَدْ حَاكَ مِنَ أَلَقٍ بِهِ
كُنهَ البَصَائِرِ يَا أُولِي الأَلبَابِ
مَهدُ الحُسَينِ.. إِذَا سَأَلتُ أَجَابَنِي
أَومَا بِحَلِّ مَشَاكِلِي وَصِعَابِي
وَلِذَا مَسَحتُ بِهِ مَوَاطِنَ عِلَّتِي
وَالطُّهرُ صَارَ عَلَى الجَنَاحِ خِضَابِي
أَحيَا بِهِ بَعدَ المَمَاتِ.. يُضِيئُنِي
مَعنَى السَّخَاءِ إِلَى أَوَانِ حِسَابِي
مَهدُ الحُسَينِ.. لُغَاتُهُ مِنْ رَحمَةٍ
أَلطَافُهَا مِنْ مِنَّةِ الوَهَّابِ
حَتَّى إِذَا انهَمَرَتْ رُؤَاهُ عَلَى فَمِي
كَسَحَابَةٍ مِنْ سَلسَبِيلِ رُضَابِ
سَالَ النَّدَى.. مَلَأَ الدِّمَاءَ بِفَرحَةٍ
فِي خَافِقِي وَبِمُهجَةِ الأَحبَابِ
وَنَمَتْ حِكَايَاتٌ تَعَبَّقَ زَهرُهَا
فِي جَانِبَيهِ بِنَشوَةِ الإِسهَابِ
وَهُنَاكَ.. حَذوَ المَهدِ بَحرُ جَلَالَةٍ
قَدْ بَلَّلَ الأَنفَاسَ بِالأَطيَابِ
حَيثُ المَلَائِكُ قَدْ أَنَاخَتْ رَكبَهَا
حَيثُ الرَّفَاهُ وَأَرغَدُ التِّرحَابِ
مَا الحُبُّ غَيرَ الحَاءِ فِي قَامُوسِهِ؟
حَاءُ الحُسَينِ مَشِيئَةُ الأَسبَابِ
إِنَّا قَذَفنَا فِي الفُؤَادِ غَرَامَهُ
قَالَ النَّبِيُّ كَمَا الضِّيَا بِشِهَابِ
حُبُّ الحُسَينِ عُرُوجُ كُلِّ مُوَحِّدٍ
وَتَهَجُدُّ العُرَفَاءِ وَالطُّلَّابِ
حُبٌّ خَمَائِلُهُ تُخَضِّبُ وَجنَةً
قَدْ أُغرِمَتْ بِقَدَاسَةِ الأَلقَابِ
حُبٌّ فَسَائِلُهُ الوُجُودُ.. وَطِينُهُ
قَدْ جَلَّلَتهُ طَهَارَةُ الأَصلَابِ
فِي لَيلَةِ المِيلَادِ جِئتُكَ تَائِبًا
وَرِضَاكَ عَنِّي ذَا جَزِيلُ ثَوَابِي
حَسبِي بِيَومِكَ يَا حُسَينُ يَشُفُّهُ
فَجرُ الكَرَامَةِ أَطهَرُ الأَثوَابِ
حَسبِي.. يُقَبِّلُكَ النَّبِيُّ المُصطَفِى
يَروِيكَ مِنْ أَدَبٍ بِغَيرِ شَرَابِ
حَسبِي بِمِيلَادِ الشَّهَادَةِ وَالهُدَى
لَولَاهُ رَوضِي كَانَ مَحضَ يَبَابِ
وَلِذَا مَدَدتُ لَهُ بِسِدرَةِ خَافِقِي
هَذَا الوَلَاءَ.. فَأَشرَقَتْ بِشِعَابِي
هُوَ مَوطِنِي وَهُوَ السَّكِينَةُ وَالنَّدَى
عَهدِي وَعِرفَانِي وَطِيبُ لُبَابِي





