شهر رمضان.. شهر الربح..لا الخسارة
الإنسان في هذه الحياة إما أن يكون رابحاً أو خاسراً ، و لا يوجد حالة وسطية بينهما ، و حين يقول ربنا " و العصر إن الإنسان لفي خسر … " فإنه يعني بذلك الإنسان الذي لم يأخذ بعوامل الربح من إيمان بالله و العمل الصالح و التواصي بالحق و الصبر ، كما ذكرتها سورة العصر .
و إن من يعي هذه الحقيقة فإنه يبقى مجاهداً لأن يربح الحياة ، و يستفيد من كل الفرص المتاحة له حتى لا يخسر و لا يدرج أسمه ضمن قائمة الفاشلين في الحياة .
و لعل شهر الله ، هو أثمن فرصة للربح ، و للنجاح في هذه الحياة ، و لعله المحطة التي يتزود منها الإنسان ما يفيده ، و يؤهله لأن يخوض صراع الحياة ، و يربح فيه ، و لعله الجسر الموصل للآخرة ، و الفوز فيها بجنة الرضوان . و لكن السؤال الذي أحب إثارته هنا هو : كيف يمكننا أن نربح في هذا الشهر الفضيل ؟
و الإجابة على هذا تكمن في النقاط التالية :
أولاً : ضرورة الوعي
حين نتملك جوهرة نفيسة ، و لكن لا نعي قيمتها ، فإننا ربما نبيعها بأبخس الأثمان !! و السبب في ذلك هو جهلنا لقيمتها ، كذلك بالنسبة لشهر رمضان فمن يعي أنه شهر مغفرة ، و رحمة ، و أن الإنسان في ضيافة الله ، و فيه تفتح أبواب الرحمة ، و تغلق أبواب النيران … و غيرها كما فصلها رسول الله ( ص ) في خطبته الشهيرة ، من يعي هذه الأمور فإنه يسعى لأن يستفيد من هذا الشهر الكريم .
كذلك علينا أن نعي فلسفة الصوم ، فلماذا شرع الله الصوم ، و لماذا هذا الجوع ، و العطش ؟ و ما الحكمة في ذلك ؟ حين نعي هذه الفلسفة و التي منها خلق شخصية قادرة على خلافة الأرض ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ، و الصوم هو طريق لصناعة هذا الخليفة ، فهو يزوده بالتقوى ، التي هي من أهم الشروط الواجب توفرها في الخليفة ، و هذه الحكمة تتكرر في سائر التشريعات الإسلامية كالصلاة و الحج ، و الصدقات و غيرها .
من هنا فإن ضرورة وعي شهر رمضان من الأمور المطلوبة للفوز و الربح في هذا الشهر المبارك.
ثانياً : ضرورة تنظيم الوقت
لا شك أن كل فرد منا قد قرأ هذه الآية " أيام معدودات … " و التي جاءت في سياق الحديث عن شهر رمضان و التشريعات الخاصة به ، إن شهر رمضان هو فترة زمنية محددة بـ ( 30 ) يوماً ، و تنقضي بصورة أسرع من البرق حين لا نخطط لها التخطيط السليم .
لذا فإن ضرورة تنظيم الوقت هي من الأمور الواجبة لكي نستفيد من كل لحظة من لحظاته ، و من لا يقوم بهذا التخطيط المسبق سيجد نفسه بعد هذه الأيام لم يكتسب أي شيء ما عدا أنه أتعب نفسه و أجهدها بالجوع و العطش ، لأنه لم يعي الفلسفة الأولى ، و لم يخطط لأن يكتسب أكبر قدر ممكن من الإيجابيات في هذا الشهر .
يقول الإمام علي ( ع ) في وصيته الأخيرة لأهل بيته " و نظم أمرك " حيث أن التنظيم لا يختص بجانب واحد من جوانب الحياة ، بل يتعدى ذلك لأن تكون حياتنا مصطبغة بصبغة ( التنظيم ) و على رأسها تنظيم الوقت ، و بالخصوص أننا في معركة ( هدر الوقت ) و هناك أعداء يرغبون في سلبنا أعز و أثمن أوقاتنا و هم ( أصحاب المسلسلات ) .
لنكن ممن ينظم وقته ، لنجعل لنا أوقاتاً لقراءة القرآن ، و الدعاء ، و زيارة الأصدقاء ، و الأرحام ، و المطالعة ، و التعرف على أخبار العالم ، لنصع برنامجاً شخصياً نشعر من خلاله أننا نستفيد من كل دقيقة ، بل من كل ثانية .
ثالثاً : لا … للروتين
جاء في الحديث : " من تساوى يوماه فهو مغبون … "
حين تجري الأمور على وتيرة واحدة ، فإننا نصاب بالملل و السأم ، و ربما نرفض التعامل مع هذا البرنامج المقترح ، لذا علينا حين نخطط لبرامج معينة نهدف منها الاستفادة من شهر رمضان ، أن نكسر الروتين ، و ذلك عبر التجديد … ليكن لدينا في كل يوم عمل جديد … ، و أن نحدث تغييراً في مسيرتنا اليومية نجعلها تختلف عن الأمس .
رابعاً : نعم … للتنويع
أ رأيت حين تتكرر الأطعمة ، كيف يرفضها الإنسان … و لكن حين تتنوع فإنه يقبل عليها بكل شهية … و هكذا هي برامج شهر رمضان حين تتنوع … فإنها لا تشعر المرء بالملل كما ذكرنا سابقاً .
و إني أنصح الأصدقاء بأن ينوعوا في ( مجالس شهر رمضان الخطابية ) و أن لا يحددوا من مجالسهم ، بل عليهم أن يذهبوا إلى جميع المناطق ، ففي كل منطقة برنامجاً مغايراً عن برنامج المنطقة الأخرى .
و التنويع يفيد الإنسان ، و ذلك من حيث تزويده بالخبرة ، و خصوصاً إذا كان ممن يحمل الهم الاجتماعي، و لديه مشروع معين ( ثقافي ، اجتماعي ) فإنه من خلال هذا التنويع يصقل من تجربته ، و ينميها .
خامساً : تثقف بالثقافة الإسلامية
شهر رمضان هو في حقيقته شهر الروحانيات ، فهو شهر الدعاء ، و هو شهر القرآن بل هو ربيع القرآن ، لذا علينا أن لا ندع هذا الشهر دون قراءة القرآن كاملاً ، و دون قراءة الأدعية المخصوصة ، هذا على الصعيد الروحي .
أما على الصعيد الثقافي فلا بد من تحديد أحد الكتب و قراءته من ألفه إلى ياءه … و في هذا الجانب أقول علينا أن لا ندع أحد الأيام يمر علينا دون أن نقرأ … حتى و لو كانت صفحة واحدة … و لنحدد وقتاً معيناً للقراءة … و أن نحرص عليه أشد الحرص ، و نحارب من أجله …
و تذكر أن القراءة هي غذاء العقل ، و من يقرأ اليوم فإنه يعيش حياته واعياً ، بخلاف الذين نصبوا العداء للقراءة فإنهم يغلقون منافذ الوعي من عقولهم … و يحكمون عليها بالإعدام .
سادساً : إياك و مجالس البطالين
و هي الديوانيات التي تمتاز بالسخرية ، و الغيبة ، و لعب ( الدومنة ) أو مشاهدة التلفاز … هي مجالس فارغة ، تقتل عقل الإنسان ، تسلبه روحه ، و تجعله يخسر هذه الفرصة الذهبية .
ابحث عن مجالس الوعي ، مجالس الذكر ، مجالس المؤمنين ، و أكثر من الاتصال بها … و كن عضواً نشطاً فيها ، كن فاعلاً في صناعة أجواء إيمانية … فهذه رسالة المؤمن .
مسك الختام
هذه مجموعة من الأفكار من وحي التجربة ، و لعلها للمؤمنين مجرد تذكرة ، و في حقيقة الأمر إننا مطالبون بالتذاكر يوماً بعد آخر … لنسأل بعضنا بعضاً ، و لنوصي بعضنا بعضاً حتى نربح في هذا الشهر الكريم .