تحت غياب الثقافة... من الضحية الأولى المرأة أم المجتمع!
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
يقول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبا طيب الإعراق
شهدت كربلاء خطةً حسينية زينبية واعيةً أزاحت القناع عن الدور الملقى على عاتق المرأة الرسالية عبر التاريخ، وكانت رداً شافياً على تساؤلات عدة من أبرزها:
لماذا يأخذ الإمام الحسين النساء معه وهو يعلم بسبيهن؟
ألا يعلم لا طاقة لهن بالحرب؟
لقد لخصت المرأة الزينبية بأن المسيرة الحسينية لم تنتهي بستشهاد أبي عبد الله الحسين ومن معه؛ بل بدأت بعد استشهاده ولعل الدور الإعلامي الذي قامت به عقيلة الطالبين زينب يرسخ قدرة المرأة خصوصاً عندما تكون مسلحة بالثقافة الرسالية الرصينة المستمدة من القرآن الكريم و روايات أهل البيت كما قال الإمام زين العابدين في حق شريكة الحسين أم المصائب زينب«أنت عالمة غير معلمة»على أن تتحمل المسؤولية، وأن أهميتها تنبع من كونها فاعلة تدرك أن الإمام الحسين أخذ النسوة معه لأنهن سوف يقمن بدور إعلامي فاعل لا يقل أهمية عن الدور الذي سيبذله أصحابه.
ونحن هنا إذ نركز على دور المرأة نستحضر من طف أبي عبد الله الحسين صوراً مشرقة لطوعة، و زوجة حبيب بن مظاهر الأسدى، و أم وهب ( عليهن السلام) وغيرهن من النسوة اللاتي سطرن تاريخاً للمرأة الرسالية.
ولكي نستلهم من هذا التاريخ قدوتنا وإخلاص أعمالنا في الدنيا، والتسابق في فعل الخيرات أوجزها في نقطتين:
النقطة الأولى: القدوة الصالحة: ينبغي أن نقدم الثقافة الصحيحة إلى كل فئات المجتمع كي تصبح حياة الأفراد مسؤولية من قِبل المجتمع فلا يقتصر حالة الإصلاح على فئة دون أخرى، وللوصول إلى هذه المرحلة نحتاج إلى وجود قدوة تتمثل في.
أ ) العلم والمعرفة بالقيم الرسالية والمبادئ السماوية.
ب ) التقوى والإيمان الراسخ الذي ينعكس صدقاً وإخلاصاً في النية والسلوك قال الله تعالى﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.
ج ) العمل الدؤوب والحركة النشطة والجهاد الدائم لتجاوز عقبات الحياة الكأداء.
د ) السباق للعمل الصالح والمبادرة للخيرات قال الله تعالى في كتابه المجيد ﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.
وهذه الأمور تجعل من المرأة الرسالية كيان يؤمن بأهمية الدور العِلّمي والعَملّي ودوره في بث الوعي.
النقطة الثانية: نحتاج إلى بناء جيلٍ متحررٍ من كل تيار لا يرى أهمية للثقافة المسئولة بالمرأة، لتقف مسئولة كما وقفت زينب سلام الله عليها.
وفي هذه النقطة نلحظ التهميش لفاعلية المرأة من قبل الدولة الطاغوتية الإستكبارية والإعلام المزيف الذي همه الأول سلب حق المرأة وعفتها ونشر بائعات الهوى بابخس الأثمان ليتسنى لهم السيطرة عليها بل استعبادها،ومن قبل الأسرة ـ زوجا ، أبا ، أخا ـ و مع الأسف الشديد وحتى من رجل الدين المتقوقع على سجادته الذي لا يعرف مِن دينه وعلمه سوء المسائل الشرعية من حيض وصيام وصلاة.
نحن لا نجد اهتماما حقيقياً ببناء المرأة فكرياً وثقافياً؛ بل إن التيارات تركز في الغالب على الشباب، ومن هنا أصبح مجتمع يفتقر إلى الكادر النسائي والسبب الرئيسي وراء ذلك أننا لم ندرس ونتمعن ونلحظ أهمية المرأة في المسيرة الحسينية.
لأننا نجد الأسرة لا تهتم بثقافة الفتيات، وقليلة هي الأسر التي توفر كتباً تهتم بشأن الفتاة، ومن هذا المنطلق لا نجد في مجتمعاً أسراً تقرأ، وهذه نتيجة لقلة المحصول الثقافي، وعلى سبيل المثال قضية زواج الفتاة من الرجل، ففي الغالب نجد الفتاة لا تملك وعياً يحدد لها أهمية القرار المدروس دراسة وافية من جميع جوانبه حتى تضمن بركة من الله تنزل عليها، وتحقق ثمار هذا الزواج، فبعض الفتيات يتقدم لهن من يرضون دينه وخلقه ثم تجدهن يرفضن ولا تكاد تقع على تصور ينم عن تأني وتفكير ودراسة موضوعية قبل الرفض وهذه صورة من صور كثيرة يتضح لنا من خلالها عدم البصيرة في الأمور الحياتية.
لذا نرى المسيرة الدينية في العالم الإسلامي يفتقر إلى الكادر النسائي القادر على التوجيه والإرشاد وتحمل أعباء العمل الرسالي.
وانحسار دور المرأة جعلنا نقف أمام تخلف ثقافي واضح في المجتمع ككل، وفي الجانب النسوي بالخاصوص طبعاً لكثرة النساء على الرجال من حيث العدد، ومن هنا جاءت النتائج سلبية في الغالب على المجتمع ككل بسبب دورها في:
أولاً: تربية الأجيال(معكوسة).
ثانياً: توعية المجتمع(بالفوضى).
ثالثاً: تحمل المسؤولية(على المزاج).
رابعاً: التضحية(للبيت ثم للبيت ثم للبيت).
خامساً: النضج العقلي والعلمي(أكاديمي فقط).
و أصبحنا على إثر ذلك أمام تخلف ثقافي عارم في العالم العربي والإسلامي.
مع أننا لو عدنا لقرأت حياة المرأة في المسيرة الحسينية لصنعنا امرأة وعيةً قادرةً على تطوير مسيرة الأمة، ورسم الطريق الذي يجعل المرأة تخرج من مرض مزمن ألا وهو الاهتمام بالأمور الشكلية، وتتوجه إلى القضايا الجوهرية التي تساهم في صقل شخصيتها ومن هنا كانت أهمية التربية وضرورتها في البناء الفكري والثقافي. فإسلام الأبوين ينعكس على حياة ألأبناء.
ومن هنا تحيط الأخطار بهذه المرأة المتقوقعة في البيت والتي تجد نفسها أسيرة فكر يسعى إلى تهميشها تحت حجة أنها لا تعي ما يجري من حولها، ولا تفهم مداخل الأمور من مخارجها… وهكذا تسير المرأة نحو التخلف الديني، والثقافي، والفكري إزاء ابتعادها عن مصادر المعرفة «المسجد، الحسينية، الحوزة»، قال الله تعالى ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾.
ونقف مرة أخرى لنسأل أنفسنا من المسؤول عن هذا التخلف الذي جعل المرأة ضحية؟
سيبقى موضوع المرأة معلق قيد التحقيق في ضل غياب الثقافة الرصينة القرآنية التي بحاجة إلى دراسة كُتّاب ومفكرين بل مراجع عظام يسلطون الضوء على حياة المرأة المسلمة، لتخرج من شرنقة الجهل إلى بحار المعرفة القرآنية، والسنة النبوية.
فاليوم تتعرض المرأة عبر الشاشات الفضائية إلى عملية اغتيال منظم ومدروس من قبل الحركة المطبعة مع الشيطان، وهناك طاقة مذهلة وبالأرقام الخيالية تبذل لصرف المرأة عن دورها الرئيسي، وهذه الجريمة البشعة في حقها تتستر تحت أسماء شتى منها الفن، والجمال، والحرية التي خرجت في دول الخليج في الآونة الأخيرة، والاستقلال الذاتي…الخ، وهكذا تتضافر الجهود الشيطانية للقضاء على هذه المرآة «الضعيفة»كما يصفها الحديث النبوي الشريف في ظل غياب الثقافة الرسالية المسؤولة.