الشهيد الصدر مدرسة، ولكن ماذا بعد؟
قليلون هم الذين يتحولون من أفراد إلى مدارس متميزة،لأن ذلك يتطلب امتلاك مجموعة من المواهب والإمكانيات والقدرات الذاتية تتيح لهذا الفرد استيعاب الحقل المعرفي ذي العلاقة استيعابا واعيا محيطا يمكّن من سبر أغواره واستنباط جواهره العذراء، ويتطلب أيضا جرأة وإقداما على الدخول إلى المناطق البكر لتحقيق الفتوحات فيها.
ومما لا شك فيه أن الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر كان مدرسة متميزة بكل المقاييس، ويمكننا أن نذكّر ببعض ملامح ذلك التميز:
1- إبداعاته المختلفة على مستوى إنتاج النظرية الإسلامية، حيث أسهم من خلال كتابيه اقتصادنا وفلسفتنا في استنباط رؤية إسلامية قادرة على تقديم البديل الحضاري للرؤى الشيوعية والرأسمالية، معيدا بذلك الثقة بالذات للعاملين في الحقل الإسلامي، وهذا أمر في غاية الأهمية.
2- إبداعه الفذ فيما وراء النظرية، ونعني به بحثه القيم في كتابه ( الأسس المنطقية للاستقراء ) الذي أسهم من خلاله باستخلاص نظرية جديدة للمعرفة، أطلق عليها المذهب الذاتي في المعرفة، واستطاعت هذه النظرية - حسب السيد محمود الهاشمي-في كتابه مباحث في علم الأصول " أن تملأ فراغا كبيرا في نظرية المعرفة لم يستطع الفكر الفلسفي أن يملأه خلال ألفي سنة "
3- تجديد الفقه الإسلامي: وذلك واضح من خلال كتابه ( البنك اللا ربوي في الإسلام )، ويمكن الرجوع في هذا الصدد إلى كتاب ( تجديد الفقه الإسلامي – محمد باقر الصدر بين النجف وشيعة العالم ) للأستاذ شبلي الملاط الذي يناقش فيه مساهمات السيد الصدر في مجال تجديد الفقه الإسلامي لا سيما في المواضيع الدستورية والاقتصادية والمصرفية.
4- التجديد في المناهج الحوزوية: وتمثل ذلك في حلقاته الثلاث في علم الأصول.
5- التأسيس لمشروع المرجعية الرشيدة، إيمانا من سماحته بأهمية الدور المرجعي المؤسسي في الأمة.
6- تخريج طلاب متميزين رفد بهم الساحة الإسلامية.
هذه بعض ملامح التميز في مدرسة الشهيد الصدر، ولكن السؤال الذي نطرحه هو: ماذا بعد؟ ونقصد به ما هو الواجب تجاه هذا الرجل المدرسة؟ هل قمنا بتعريف العالم الإسلامي بهذه المدرسة؟ هل يعرف الغرب المهتم بنظرية المعرفة شيئا عن نظرية المذهب الذاتي؟ كم عدد الكتب المترجمة لسماحة السيد وإلى كم لغة؟
كم عدد الشروحات المتوفرة لنظرياته المختلفة، وما هو المترجم منها؟ كم عدد الكتب التي تتعرض لنظريات السيد الصدر نقدا ومراجعة؟
لقد أحسن السيد كمال الحيدري حين قام بشرح نظرية المذهب الذاتي في كتاب موسع ، ولكن الحاجة لا تزال ماسة إلى أكثر من هذا العمل الجليل.