تحديات الحكومة الجديدة ومستقبل الاقتصاد العراقي
مستقبل العراق السياسي يظل مرهونا بتطور الاقتصاد وزيادة الإنتاج، ونمو الاقتصاد العراقي معلق بالاستقرار السياسي، والمستقبل لا ينذر بخير ما لم يحصل الإصلاح الاقتصادي والسياسي معا.
فالانفراج السياسي يصطحبه بحبوحة اقتصادية، والديكتاتورية السياسية تؤول إلى تضخم في الاقتصاد. لذا يشير الإمام محمد الحسيني الشيرازي إلى حقيقة الترابط بين الاقتصاد والسياسية بقوله:﴿ إن بلاد الديكتاتوريين فيها التضخم أكثر بكثير مما هو واضح﴾
لقد عانى الاقتصاد في العراق كسائر القطاعات الأخرى مـن الإهمال والتدهور في ظل النظام السابق، كالارتفاع في مستويات التضخم والبطالة، وتدهور النمو الاقتصادي، وارتفاع مستوى الإنفاق العسكري، حيث إن الواقع الاقتصادي يشير إلى اتصاف الاقتصادي العراقي بالتهشـم، واختلال الهـياكل الاقتصـادية، وارتـفاع البطالة والـفقر وتهمـيـش للقطـاعات الاقتصادية التي كان من المفترض أن تساهم في دفع عملية النمو الاقتصادي إلى الأمام، وكذلك الاغتراب وتحطم البنية التحتية الاقتصادية، وحتـّى الاجتماعية منها، إضافة إلى مظاهر التضخم وتخلف الإنتاجية وضعفها، مما أدى إلى توقف عجـلة الاقتصاد في العراق.
أمّا النشاط الاقتصادي ـ آنذاك ـ فكان أحادي الجانب ، حيث إن جل الاعتماد الاقتصادي على النفط وعوائده، وعدم تطوير الجوانب الإنتاجية الأخرى، سواء أكانت المرتبطة بالنفط أو مرتبطة جوانب التصنيع الأخرى، والسبب هو الأحادية السياسية التي كان يمثلها النظام السابق إيمانا بفكرة الحزب الواحد، والقائد الواحد.
أما بعد مرحلة التغيير، فإن المشاكل الاقتصادية، قد تفاقمت بشكل ملحوظ، فبالإضافة إلى الاقتصاد الهزيل الذي ورثته هذه المرحلة عن النظام السابق، فان التدهور الأمني والاجتماعي ساهم إلى حد كبير في تفاقم الحالة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال فان فتح الحدود على مصراعيها، أمام التجارة الحرة، لاستيراد السلع والبضائع، بلا ضوابط اقتصادية وأمنية تسيطر على نسبة المستوردات أدّى إلى تدمير البقية الباقية من البني الإنتاجية والاقتصادية التي قد تمكنت من الصمود أمام السياسات الخاطئة للنظام السابق، فغياب الرقابة، وسوء التنظيم، وانعدام التخطيط الصحيح، أدى إلى الكثير من الأخطاء، والمشاكل الكبيرة للقطاع الاقتصادي، فارتفاع المستوى العام للأسعار، كان نتيجة لما تقدم، وأصبح شـكلا مألوفا وخاصة للسـلع الضرورية، بالمقابل انخفاض في مستوى الدخل النقدي، وكذلك الانخفاض في مستوى التوظيف.
جاءت العمليّة الانتخابيّة كحل ناجز للمشـكلة الاقتصـادية العراقية بالكامـل، واعتبارها الحل النموذجي لمثل هذه الأزمة، فالقوانين الوضعية والدولية، أكدت على هذه الممارسـة الديمقراطية، والتي نجحت نجاحا باهرا، فاق كل توقعات المراقبين للقضية العراقية داخليا وخارجيا. إن هذه الانتخابات ستؤدي إلى انبثـاق حكومة وطنية تتمتع بجانب كبير من الشرعية والشعبية، وهذه الحكومة أصبح لزاما عليها أن تقدم حلولا لهذه المشاكل الاقتصادية بأن ترفع مسـتوى النشاط الاقتصادي في البلد .
ونرى من بين الحلول الناجعة لهذه المشاكل هو ما قرأناه من خلال فكر الإمام محمد الحسيني الشيرازي ﴿قدس سره﴾ حيث أن مسـألة النهوض بالاقتصاد العراقي تتطلب مجموعة من الإجراءات، يجب إتباعها وهي:
1- التخطيط الاقتصادي والبرمجة الاقتصادية: والتي تتمثل في ﴿ البرمجة الشاملة والدقيقة لضمان سلامة الاقتصاد وتطويره، وتكوين مـؤسسـات اقتصادية ولجان اقتصادية من أهل الخبرة، لكل نوع من أنواع قطاعات الاقتصاد، كالزراعي والصناعي والتجاري ـ الداخلي والخارجي ـ والمصرفي وما إلى ذلك﴾.
2- دعم وتشجيع التصنيع المحلي: وذلك لان﴿التصنيع يعطي حاجة البلاد، ويوجب الاكتفاء الذاتي، ويقلل من نسبة البطالة إلى اقل حد ممكن، ويوجب رفع العوز والفقر، ويقف حائلا دون التضخم، وكل ذلك يؤدي بدوره إلى تقليـل الفساد الأخلاقي والسرقة والمرض واستعمال المخدرات ونحوها﴾ .
3- تقليل المستوردات: لان أهم مشاكل دول العالم الثالث هو الاعتماد شبة الكامل على المنتجات المستوردة، فيرى إن عملية النهوض الاقتصادي تتم بالتقليل من الاستيراد وزيادة التصنيع في هذه البلدان، ومنها العراق خاصة، ويتطلب ذلك إجراء مجموعة من التعديلات في البني الهيكلية واستحداث معاهد ومؤسسات بحثية تعنى بالشأن الاقتصادي، ولجان من أهل الخبرة والدراية لتخطط عملية البناء وإعادة الأعمار للقطاعات الاقتصادية.
4- إشراك القطاعات الخاصة: كما يؤكد الإمام محمد الشيرازي على دور القطاع الخاص في عملية النمو الاقتـصادي إلى جانب القطاع العام، ويرى ضرورة مشاركته في عملية البناء، حيث يتمتع القطاع الخاص بالحرية الكاملة في توظيف أمواله وتشغيلها وحرية انتقال رؤوس الأموال، ولكن وفق ضوابط تقررها الدولة.
كما يذكر الإمام في هذا الصدد نقطة مهمة، وهي تشجيع الاستثمارـ بنوعية المباشر وغير المباشرـ ذلك لأنه سوف يخلق موارد إضافية للدولة يمكن من خلالها تطوير عملية النمو الاقتصادي العراقي وتحقيق تقدم وإزهار الاقتصاد. كما يؤكد الإمام الشيرازي ﴿قدس سره﴾ على أهمية التجارة ـ بنوعيها الداخلية والخارجية ـ لما لها من أثر بالغ الأهمية، وكذلك في عملية التراكم الاقتصادي والرأسمالي والموارد والإمكانات للاستمرار في عملية التقدم والبناء.
ومما تقدم يمكن أن نستشف رؤية مستقبلية للاقتصاد العراقي، إذا ما تم تطبيق هذه الخطوات هو الاتجاه نحو منح الحرية للقطاع الخاص ليؤدي دوره إلى جانب القطاع العام الذي هو القطاع المشرف والمساهم مع القطاع الخاص، والذي تقوم بمهامه الحكومة لدفع عملية النمو والتطوير الاقتصادي، لأننا بحاجة إلى إصلاح تام واستحداث مؤسسات اقتصادية تشرف على هذا الاتجاه، وفي هذه الآونة نرى رجحان كفة الاتجاه نحو القطاع الخاص، وهذه الصورة من هي دون مبالغة حلول أكثر شجاعة في الوقت الراهن، لأنها قائمه على التوازن والعقلانية والتوازن في الطرح والإنصـاف لكل القطاعات …..