تفكيكية الأستاذ حكيمي
هل يمكن تفكيك جاك دريدا(1) عن التفكيكية؟ ربما يبدو هذا الأمر مستحيلا للوهلة الأولى، ولكننا سنقوم بذلك. فالتفكيكية التي سنتحدث عنها لا علاقة لها بجاك دريدا من قريب أو بعيد، تفكيكية من نوع آخر، تهم العاملين في الحقل الإسلامي أكثر من غيرهم على اعتبار أن حقلها هو المعارف الإسلامية، ولكن – ويا للمفارقة- هذه التفكيكية لم تنل من الاهتمام شيئا مما نالته التفكيكية الغربية المنشأ، ولم تتعرض أفكارها للتعريف والشرح والنقد والتحليل حتى تتبلور بشكل أفضل وتبين ملامحها.
المدرسة التفكيكية – هنا كما يقول الأستاذ عبد الجبار الرفاعي- مصطلح نحته الشيخ الأستاذ محمد رضا حكيمي للتعبير عن منهج معرفي بدأ يتبلور في الحوزة العلمية في خراسان " مشهد " في القرن الرابع عشر الهجري، وأسهم في إرساء أسسه وإشادة هيكله طائفة من الأعلام، في طليعتهم السيد موسى زرآبادي القزويني (1294-1353 هـ )، والميرزا مهدي الأصفهاني (1303-1365 هـ )، والشيخ مجتبى القزويني (1318-1386هـ )، والشيخ محمد رضا حكيمي (1354 هـ) (2)
وتهدف هذه المدرسة أو هذا المنهج المعرفي إلى فهم معارف الوحي فهما نقيا خالصا من شائبة المناهج العرفانية الاسكندرانية والهندية وغيرها، والمناهج الفلسفية اليونانية وتأويلاتها المزجية والتهجينية، والعمل على تأصيل المعرفة القرآنية والحقائق السماوية وعلوم الوحي وتنقيتها من الذوبان، وبذلك – كما يقول الأستاذ حكيمي – يتسنى لطلاب الحقيقة أن يستخلصوا رأي القرآن الكريم بلا تحوير أو تأويل أو مزج أو تحميل.
وهذا المشروع ممكن بل ضرورة لا بد منها حسب وجهة نظر الأستاذ حكيمي، بل واجب عقلي وشرعي وخدمة معرفية للتاريخ والإنسانية.
وقد وضع الأستاذ حكيمي مسردا مفصلا بالمسائل الضرورية التي تحتاج لبحث معمق وموسع حتى تتضح معالم المدرسة التفكيكية، ويمثل هذا المسرد الذي يحتوي على مقدمات عشر وخاتمة وبينهما أربعة وخمسون فصلا المشروع الفكري الذي يطمح الأستاذ لتحقيقه، وهو يطلب من العلماء والمفكرين الإدلاء بآرائهم في هذه المسائل، وتهدف في جملتها إلى معرفة المؤثرات الخارجية المختلفة التي تؤثر في طريق كشف نص الوحي، والسبيل لتنقية النص من شوائب المعارف الأخرى.
أعتقد أننا في هذا العصر بالذات نحتاج أكثر من أي وقت مضى لتفكيكية الأستاذ حكيمي، فهل يأخذ هذا المشروع حقه من البحث والنقد؟ نتمنى ولكن ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ (123) سورة النساء