أحمد آدم : الشاعر الذي وُلِد طفلا شاعرا ومات شاعرا طفلا…
قبل ان تغتاله يد الجريمة والحقد الأعمى، كنت أستمع مع آخرين لأحمد آدم وهو يلخص رؤيته لدور المثقف المسؤول في المرحلة الشائكة التي يتعثر بها العراق من أقصاه الى أقصاه، وكعادته كان هادئا متأملا في كلماته المضمخة بنبرة تفاؤل واضحة غالبا ما كانت تطبع تطلعاته وهو يرنو الى أمام، لقد بدأ آدم يعيش نجاحاته للتو في الأدب وفي الحياة عموما، فقد تمت الموافقة على تعيينه في التربية كمدرس لمادة اللغة العربية في إحدى الثانويات قبل ان تطوله يد الغدر بإسبوع واحد فقط، وقد تم تعيينه كمندوب لجريدة المدى بالتأريخ المذكور نفسه وقد بدأ يرمم روحه وعائلته من جديد بعد ان نالهما الحيف كما هو حال العراقيين جميعا في رحلة الحروب والحصارات المتتالية، لقد وضع قبل شهور فقط أساسا لبيته الصغير الذي أخذ يعلو بتأن جميل، شهرا بعد شهر ليستقر فيه هو وعائلته التي هدها التنقل من بيت الى بيت ومن مدينة صغيرة الى أخرى حتى انتقلوا أخيرا الى بيتهم الجديد ويا له من بيت عجيب، انه عبارة عن غرفة نوم صغيرة وغرفة استقبال أصغر مسقفتان بجذوع النخيل ودورة مياه لاتكاد تتسع لجسد طفل ومع ذلك أطلق على هذا البناء الخرافي صفة بيت لأنه أنقذه وعائلته من غائلة الأستئجار التي أخذت ما أخذت من إبداعه ووقته الموزع بين بيع الكتب على أرصفة المدينة وكتابة الشعر والنقد والمقالة والسفر الى بغداد كلما اشتد به الحنين الى وجهها الشعري البالغ العذوبة والجمال كما كان يردد دائما، ولم يترك الشعر قط هذا الطفل الذي لم يبارح حلبة الأدب أبدا، انه الشاعر الذي غادر الحياة وهو يحلم أن يرى كتابا شعريا واحدا من دواوينه الثلاثة مطبوعا على نفقة وزارة الأدباء والمثقفين ويالها من وزارة لم تزرْ حتى نفسها، لقد باع الراحل أثاثه القليل والرخيص أصلا وطبع ديوانه الأول الذي أطلق عليه تسمية تليق بأحمد آدم وتصور لنا علاقته المصيرية مع الشعر، لقد حمل ديوانه الأول عنوان ( يسعى) هذه المفردة التي تلخص لنا كل إندفاعات أحمد آدم وهو ينحت إسمه الشعري في خريطة الأدب العراقي الواسعة والشاقة في آن، ومع ذلك نراه وقد إستدرك في العام التالي مباشرة ديوانه الأول ليقدم لنا كتابه الشعري الثاني حاملا في عنوانه أيضا خلجات آدم وطموحاته الشعرية المتدفقة، لقد أسماه هذه المرة بـ ( إستدراك) وكأنه يعلن للجميع بأنه يستدرك قصائد ديوانه الأول الذي سعى فيه لكي يدخل حلبة الشعراء وكم كان رائعا في استدراكه الذي أثار قريحة عدد كبير من الكتاب، نقاد وشعراء وقصاصين وغيرهم ليقولوا فيه قولتهم حتى تجاوز عدد هذه المقالات الثلاثين وقد نشرت كلها في صحف ودوريات عراقية وعربية، ليعود الشاعر الطفل الى قلقه وبحثه الدائم عن كونه الشعري الذي يمثله حقا، وليغامر للمرة الثانية بقوت أطفاله فيقدم لنا وعلى نفقته الخاصة (وهو الشاعر الذي قتر على عائلته كثيرا) ديوانه الشعري الثالث الذي حمل عنوان (كون في داخلي) وياله من كتاب يمثل نسخة أصلية للكون المصغر لأحمد آدم، هذا الكائن الذي ولد طفلا شاعرا ومات شاعرا طفلا، وانا اصر على هذه الصفة، ولقد كان لي شرف الكتابة عن مجاميعه الشعرية كلها بلا استثناء وكم كان مدهشا وغريبا وصادقا في كتابه الثالث (كون في داخلي) لقد اراد من خلاله ان يغامر بكل شيء تماما كذاك الذي اطلق قولته الشهيرة (إما ان اكون او أن اكون ) وليس ثمة خيار آخر، غير ان النقد العراقي كعادته سيظل قاصرا وستظل العلاقات المزيفة والإخوانيات البائسة هي ديدن هذا النقد (غاية ووسيلة) وكم هو معيب على دار مثل (دار الشؤون الثقافية/ التابعة لوزارة الأدباء) ان تعجز بل تتعاجز عن نشر كتاب شعري واحد لهذا الشاعر الذي أثبت للشعر نفسه بأنه أحد إسطواته الرائعين وبجدارة، وحتما سوف تتسارع هذه الدار وغيرها لتطبع مجموعة أحمد الأخيرة او مجاميعه الأخر ولكن انا اول المحتجين على هذا الفعل وأول الرافضين له لأنني أعيش الى الآن لوعة احمد آدم وألمه الممض وهو يتحدث عن الرفض المتكرر لطبع أشعاره سابقا وحاضرا، فلقد رفضوا ان يطبعوا لأحمد قبل السقوط ورفضوا ان يطبعوا اشعاره بعد السقوط أيضا بيد انهم سيحاولون التكفير عن أخطائهم ولكن بعد فوات الأوان ويا لنا من أناس بارعين في الإحتفاء بمن غابوا عنا اما وهم بيننا فإننا نستكثر عليهم كلمة ثناء واحدة لهذا نقول لأساطنة الرياء والزيف لا تحتفوا كذبا بالشاعر الطفل ولا تطبعوا اشعاره التي رفضتموها عندما كان يتنفس حصة من هواء الله معكم .. نعم نقول لا تفعلوا ذلك بل إياكم ان تفعلوا لأن احمد آدم سوف يُجرح من جديد في كبريائه الشعرية وهو يرى شعره سلعة بأيدي المزايدين بعد موته، انه لايريد ان يمنحكم هذا الشرف ولا يوافق على ذلك أبدا فدعوه ينم هادئا في قبره يامن لاتحترمون المبدعين إلا بعد مغادرتهم عالمكم الموشح بالخديعة والدسائس ويغص بالنفاق والمجاملات المجانية، إن آدم ترك أشعاره على بساط الأرصفة وهي الآن في قلوب أصدقائه من الأدباء او من بسطاء الناس وهم الذين سيتكفلون بإيصالها الى اكبر عدد من القراء ونحن كإتحاد للأدباء سوف نكتب قصائد آدم بأيدينا وأرواحنا ونوزعها على من يحب ان يقرأ شعرا ينتمي الى الشعر حصرا ونعلن من الآن نيتنا التي لا نحيد عنها عن إقامة جائزة أدبية بإسم احمد آدم وشهداء الأدب الآخرين وستكون سنوية وسوف تستمر طالما بقي الشعر على قيد الحياة، ومع ذلك سوف نبقى نشعر بالذنب وبالخيانة شئنا أم أبينا، لكن ترى من الخائن منا أيها الأصدقاء، نحن أم الكلمات، وإنني لأتساءل الآن كيف يمكن أن تكتب عن شاعر ولد وعاش ومات طفلا، إنني شخصيا أشعر بالذنب وأنا أكتب عن شاعر من المستحيل أن أقول فيه ما يستحقه من قول مهما طاوعتني الكلمات او مهما طوعتها، فما العمل في حال كهذه، وهل ألوذ بالصمت .. أم ماذا ؟، بل أتساءل بإلحاح هل يحق لي أن أصمت، وأنا من أقرب الناس لشاعر قاتل بنبل لا يوصف كل العاديات كي يحتفظ بإنسانيته حتى اللحظة الأخيرة من حياته، أنا أستغرب والله كيف إستطاعت إصبع الجريمة أن تضغط على الزناد وترسل إطلاقتها صوب أكثر القلوب رأفة ومحبة بالإنسان، أنا مندهش كيف إستجابت تلك الأصبع لكفها وأطلقت رصاصة الموت على كائن يحب الحياة بطريقة الأنبياء وفي الوقت نفسه لا يخشى الموت لحظة واحدة.
الشاعر أحمد آدم في سطور :
- ولد الشاعر احمد آدم في 1965 في كربلاء قضاء الهندية.
- أكمل دراسته في الهندية وكربلاء وحصل على دبلوم من معهد الإدارة ثم على بكلوريوس من كلية التربية / جامعة كربلاء.
- نشر قصائده مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي ونشر اول دواوينه(يسعى)عام 1998.
- أنتخب أمينا للشؤون الثقافية لإتحاد ادباء كربلاء في الدورة السابقة.
- شارك في أغلب المهرجانات الشعرية التي أقيمت في العراق كالمربد ومهرجان المتنبي والحبوبي.
- متزوج وله ولدان وخمس بنات وحفيدتان من ابنته الكبرى.