ما قبل القمة
كثير من الناس عندما ينظرون إلى عظيم من العظماء لا يلتفتون إلى مرحلة ما قبل الوصول إلى القمة، ولا يفكرون في الطريق ذات الشوكة التي سلكها فأدمت قدماه قبل أن تطآ بساط التألق. هؤلاء يغفلون عن سنن النجاح التي أودعها الله تعالى والتي يمكن أن نستلهمها من سيرة الناجحين فنتبعها فنصل إلى ما وصلوا إليه أو دونه. ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) سورة النجم
الإمام الخميني ( قدس سره ) كان عظيما، ولكي نقرأه قراءة صحيحة يجب أن نرجع إلى مرحلة ما قبل انتصار الثورة، فقبل أن ينتصر على الشاه كان قد حقق أعظم انتصار في أشرس معركة وأقدس جهاد، ونعني به جهاد النفس.
من يريد أن يقرأ الإمام الخميني فعليه أن يقرأ كتابه ( الأربعون حديثا ) الذي انتهى من تأليفه في العام 1939 م أي قبل انتصار الثورة بأربعين عاما. ففي ثنايا هذا الكتاب يتجلى العالم العارف العابد الذي يعظّم العلماء أشد التعظيم ولعل هذا سر من أسرار عظمته، ( فيعبر عن الكليني بثقة الإسلام والمسلمين تارة وبحجة الفرقة وثقتها أخرى وشيخ المحدثين وأفضلهم ثالثة. وعن نصير الدين الطوسي بأفضل المتأخرين وأكمل المتقدمين، وعن البهائي العاملي بالشيخ الجليل العارف. وعن المجلسي بالمحقق المدقق و...) ، أما حين يذكر شيخ أساتذته في العرفان ( الشيخ محمد علي الشاه أبادي ) فإنه يعقب ذلك بقوله ( روحي فداه ). لقد كان الإمام الخميني تلميذا كبيرا ولذلك صار أستاذا كبيرا.
وفي مقابل تعظيمه للعلم والعلماء كان مصداق الدعاء الشريف ( ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها )، فقد كان شديد المراقبة والمحاسبة لنفسه، ولتتأكد من هذا تأمل المقطع التالي من كلامه في نهاية شرحه للحديث التاسع والذي كان موضوعه النفاق:
لنكتفِ بهذا القدر هنا، إذ ليس الإسهاب في هذا الموضوع مما يجدر بي وأنا ذو الوجه المظلم!
يا أيتها النفس اللئيمة التي تتظاهرين بالتفكير للخروج من الأيام المظلمة والنجاة من هذه التعاسة. إذا كنت صادقة، وقلبك يواكب لسانك، وسرك يطابق علنك، فلماذا أنت غافلة إلى هذا الحد؟ ولماذا يسيطر عليك القلب المظلم والشهوات النفسانية وتتغلب عليك دون أن تفكري في رحلة الموت المليئة بالمخاطر؟
لقد تصرم عمرك دون أن تبتعد عن أهوائك ورغباتك. لقد أمضيت عمرا منغمسا في الشهوة والغفلة والشقاء وسيحل الأجل قريبا، وأنت ما زلت تمارس أعمالك وأخلاقك القبيحة. فأنت نفسك واعظ غير متعظ، ومن زمرة المنافقين وذي الوجهين. ولئن بقيت على هذا الحال فستحشر بوجهين ولسانين من نار. انتهى
هل نستطيع أن نحاسب أنفسنا بهذه الصراحة؟ هنا يكمن سر أسرار الإمام الخميني.