الحركة والنظام
ثمة مبدأ يتم التعاطي معه على صعيد علم الاجتماع، وهو مبدأ تحول الحركة إلى نظام، وحاصله أنه تظهر أحياناً في المجتمع حركة تحمل أفكاراً وعقائد وتطلعات، وعادة ما تكون وراء هذه الحركة عناصر شابة تنشط في التحرك وتميل إلى التغيير والتجديد.
الحركة أو النهضة هي في الواقع عبارة عن مناخ اجتماعي متطلع إلى التغيير. وأتباعها يوظفون كل حركاتهم وسكناتهم وأفكارهم وشعاراتهم لخدمة الهدف الذي يصبون إلى تحقيقه، ويجعلون كل شيء بمنزلة الوسيلة إلى تحقق ذلك الهدف الذي قامت النهضة من أجل الوصول إليه، ولكن هذه النهضة بمجرد وصولها إلى حدٍّ معين واصطدامها بعراقيل وموانع ذاتية أو خارجية تبدأ بالتوقف والجمود وتنسلخ عن طابعها الحركي التغييري، وهاهنا تبدأ الأزمة!.
وإذا تحقق لها ما تريد وحصل التحول الاجتماعي الذي كانت ترنو إليه ووصلت إلى أهدافها كلاً أو بعضاً، أو أنها لم تصل إلى الهدف ولكن وصلت إلى أوج قدرتها وبلغت النقطة القصوى في الخط البياني لنشوئها ونموها، وقتئذٍ، تنطفئ جذوة التغيير في نفوس أصحابها، فلقد وضعت الحرب أوزارها، ولم يعد ثمة ما يقف في طريق الثائرين، فعلام التوتر والانفعال؟! آنذاك تبدأ الحالة الثورية بالضمور تدريجياً إلى أن تتلاشى نهائياَ.
تاريخياً، يمكن أن نعثر على أمثلة مؤيدة لهذا التصور، على سبيل المثال الديانة الزردشتية التي كانت في العصر الأشكاني في خندق المعارضة وكذلك تمثل جبهة الصورة والتغيير ضد النظام السائد، ولكنها ما لبثت أن تقمصت دور السلطة الحاكمة بعدم هيمنت على مقاليد الأمور.
الحركة منهج أهل البيت :
ولأن معظم الثورات كانت تقوم من دون أساس وقوة حقيقية كانت تسقط بعد فترة من الزمن مثل ثورة الماركسيين وغيرهم.
ونحن المسلمون نقول أن طريق الله والشعب طريقٌ واحد، وعظمة الإسلام تكمن هنا في هذه القوة الخفية التي يحملها بأن «كل مسلم مسؤول ولو كان وحده» ومثالنا على ذلك أبو الشهداء الحسين فقد وجد وحيداً في ظروف عصيبة إذ كان كل شيء في طريقه يمضي إلى التدهور وكانت القوى الغاشمة تريد طمس الحقيقة ونسف القيم ومحو معالم قوى الإسلام ورسالته.
كان الحسين وحده في مواقع الحقيقة والوعي والعدل، وحده أمام قوى الظلم والطغيان والقيم المزيفة، وحده كان عليه أن يثور، لأن المسئولية تدعوه.
ولأن الإنسان في مدرسة أهل البيت مسؤول ولو كان وحده ذلك أن المسؤولية في الإسلام يحددها الوعي والإيمان لا القوى والإمكان كما قال الشهيد مطهري.
يقول رسول الله «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته».
من هذا المنطلق نرى أن كل حركة في العالم سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، لابد أن تنبني على المسؤولية لا الفائدة الذاتية، بل الرغبة في تحقيق سبل الخير للمجتمع بكل فئاته من خلال توجيهات المعصومين . ولهذا كانت الثورة الإسلامية في إيران عندما نهض العبد الصالح بها كان من منطلق المسؤولية ونشر الخير والصلاح للمجتمع الذي أصابه مس الشيطان من كل جوانبه، يقول الإمام الخميني معبراً عن المنهج الذي انطلق منه: «كل ما عندنا من كربلاء، من عاشوراء الحسين » لأنه يعلم أن هذا المنهج هو منهج الله، منهج الشريعة الإسلامية التي سنها رسول البشرية ومنقذها من الضلالة للهدى.
رسالة العلماء و المفكرين:
• ماهو الشيء الذي يجب أن على العلماء أن يستمروا عليه؟
وقبل أن أجيب، أقول: بأن هناك خطأ يقع فيه معظم المفكرين وهو أنهم ينسبون إلى الدين كل شيء يرونه في التاريخ، كالمعابد والجهاد والحروب المقدسة والحروب الصليبية والجهاد الإسلامي...، إلا أنه من المفترض أن لا يقبل أياً من الآراء بل يعتقد أن دين الحق سيتحقق في نهاية المطاف. وأن الأنبياء إنما بعثوا لمحاربة هذه الأديان وأن دينهم الحق يمنح الإنسان المفكر الحر شعوراً بالمسؤولية، يقول النبي الأكرم : «علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل» والقصد من ذلك بأن المسؤولية التي كانت على عاتق الأنبياء ستقع على عاتق العلماء والمفكرين بعد نبوة خاتم الرسل .
ولهذا على العلماء محاربة الدين من أجل إحياء الدين وتثبيته، على العلماء والمفكرين أن يفهموا الناس مدى التناقض بين «دين التوحيد» و دين «عبادة الطاغوت» كي يقدروا على تمييز دين الشرك المتشح بوشاح التوحيد ويرفعوا نقاب الرياء.
اليقظة الإسلامية:
يقول الشاعر محمد إقبال: «أنت -أيها المسلم - يد القدرة الإلهية ولسانها وترجمانها، جدد فيك الإيمان واليقين، فقد عراك الظن والتخمين، إن مقامك ومنزلتك وراء هذه القبة الزرقاء والسماوات العلى، وإن ركبك يمشي فوق النجوم النيرة والكواكب المتلألئة.
ثم يقول: حطم -أيها المسلم - أصنام اللون واللحم والدم، وذُب في بوتقة الملة الحنيفية السمحة، لتُصهَر صهراً جديداً، فلا فروق ولا امتيازات، ولا جنسيات ووطنيات، ولا عصبيات وقوميات».
هذا ما تحتاجه الأمة الإسلامية، يقظة الشعوب والحكام لتبدأ مسيرة الشعوب نحو الإسلام المحمدي والإيمان العلوي، تحتاج لنفس رسول الله وروحه، تحتاج للمنقذ والمخلص لها من أيدي الظلم والاستبداد.
وهذا لن يحصل مادام الناس في رقدتهم لم يتوجهوا بكل قلوبهم وأعمالهم نحو الإمام المنتظر ليكون هو معهم، ويخلصهم من كل معاناتهم. فالابتعاد عن منهج الإسلام الصحيح والمتمثل في أهل البيت قد أفقدنا حسن المسؤولية وجسد في عقولنا فكرة الانتظار السلبي لا الحركة من أجل الإصلاح والنهوض بمستوى المجتمع ككل وانتظار الحجة كمصلح عالمي .