مزرعة الوادي المتصدع ؟
قبل أن يعلن فوكوياما عام 1993 م نهاية التاريخ كان قد سبقه ريتشارد أوبرين بإعلانه نهاية الجغرافيا عام 1992 م.
وما حدث في مزرعة ما في منطقتنا هو تأكيد لهذا الإعلان، فالرذيلة لم تعد تعترف بالجغرافيا، والقلاع التي كنا نظنها حصينة تم اختراقها.
وكان يمكن لما حدث أن يعلن حالة الاستنفار القصوى في صفوف الخلايا البيضاء من جهاز المناعة الاجتماعية، وأن يحرك المياه الراكدة في بحيرة مجتمعنا التي ما زال البعض يصدق أنها مغلقة لا تتصل بالبحار الأخرى.
كان يمكن لما حدث أن يكون طوفان تسونامي الذي نبه الكثير من الدول إلى ضرورة اقتنائها أجهزة الإنذار المبكر لرصد الزلازل، ولكن – ويا للأسف – فإن ردود الأفعال كانت مخيبة للآمال، وتكشف عن خلل في التعاطي مع القضايا الهامة والملحة، بل ربما تكشف عن حالة من الاسترخاء الفكري والعملي في لحظة تاريخية لا تقبل أقل من الاستنفار.
وأعني بما حدث هو ما أعلنت عنه الصحف المحلية من حفلة ماجنة لمجموعة من المنحرفين جنسيا، حضرها ما يقارب الثلاثمائة من أقطار مختلفة، وقد داهمت الأجهزة الأمنية المكان وألقت القبض على 92 منهم.
هذا الحدث يستدعي التفكير في العديد من النقاط من بينها:
1- دور الأسرة وكيفية إعادة الاعتبار لهذا الدور في ظل مصادر التنشئة المنافسة.
2- دور المدرسة بمكوناتها المختلفة وعلى رأسها المعلم والمنهج والبيئة التعليمية.
3- دور النادي وكيفية استثماره في تنشئة الشباب بدنيا وصحيا واجتماعيا، وتحويله إلى ورشة عمل تسودها المنافسة الشريفة.
4- دور الجمعيات الخيرية وكيفية إسهامها في التعرف على الحالات المختلفة ودراستها من ناحية علاقة الحالة الاقتصادية بالجريمة.
5- دور الأجهزة الأمنية ذات العلاقة من شرطة ومكافحة مخدرات وغيرها، ومدى التعاون بينها وبين المواطن في القضاء على بؤر الجريمة والفساد.
6- دور المؤسسات الأهلية مثل صندوق الزواج الخيري، ولجان الزواج الجماعي، واللجان الثقافية المختلفة، وما هو المطلوب منها في هذه المرحلة كي تستقطب الشباب أو توفر لهم الحصانة.
7- دور المنبر وكيفية تجديد الخطاب ليتناول المشكلات المعاصرة تحليلا ونقاشا ومعالجة وتوجيها.
8- دور الكتّاب والأدباء والمثقفين والفنانين في الرقي بالذوق العام وترسيخ قيم الحق والخير والجمال والفضيلة.
9- دور الإعلام وكيفية تطويره ليصبح قادرا على البقاء في ظل المنافسة الشرسة على كسب قلوب الشباب وعواطفهم.
10- الدور الحضاري الغائب عن كل أنشطتنا حتى أصبحت بلا ضابط ولا رابط.
11- دور المخططين الاستراتيجيين لوضع الخطط الكفيلة بالقضاء على البطالة وتوفير سبل العيش الكريم للجميع، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتدعيم التكافل الاجتماعي.
نحن نعلم أن يدا واحدة لا تصفق، ولكن هذا لا يعفينا من المسؤولية أبدا، إذ ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته )، فلو تعرف كل واحد منا على دائرة نفوذه وتأثيره وانطلق منها لاستطعنا جميعا إحداث الكثير من التغيير، وأولى دوائر النفوذ النفس ثم الأهل، ومنها يكون المنطلق:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (6) سورة التحريم