فلسفة التدافع والتنافس في الحياة
«الحياة صراع وتدافع وتنافس.. وليست فراغاً تملأه أنت وحدك» آية الله السيد هادي المدرسي
هذه الكلمات تحمل فلسفة تعبيرية تصور طبيعة حياة الإنسان الذي خلق للتدافع والتنافس الشريف مع غيره ليعمل على عمارة الأرض.
الجيد أن المنافسة تحرك أجواء القدرات الإبداعية في المجتمع لتفرز منها الجيد وتقوي الضعيف ومن الغريب أن الكون بما فيه من اتساع كبير وآفاق مفتوحة لمجالات عدة يحوي أشخاصاً فقدوا هذا الإحساس تضيق في أفقهم الحياة لتصبح نظرتهم لها محدودة، كما تخلوا عن روح هذه الفلسفة ففقدوا اهتماماتهم بعدها فلم يسعوا لتطوير أنفسهم أو ملأ فراغهم بشيء قد يرجع عليهم بالنفع واكتفوا بمسمى العيش للعيش فقط!.. كنت أتساءل كيف يمكنهم أن يمضوا كل هذه السنوات في هذا الركود بدون محاولة لإيجاد بدائل تفرغ طاقاتهم؟.. إنه نوع من الإنقبار!.
حياتنا نحن الذين نصنعها ونرسم خطوطها ونحدد معالمها.. صحيح أن لأوضاعنا الاجتماعية والثقافية سلطة قوية تفرض نفسها بشكل سلبي علينا أحياناً لكنها ليست قهرية في الغالب، إذ لا بد من وجود أجواء نتنفس من خلالها ما يُمكننا من القيام بشيء قد لا يبدو مميزاً لكنه مؤكد سيكون جيداً وفيه ما يحمل معنى إفادة على الأقل لنا فنحنُ إذاً من نجيد التعبير عن أنفسنا والتعريف بقدراتها أكثر مما يحسن الآخرون.
فإذا ما أحطنا أنفسنا بدوائر مغلقة من الطبيعي أن نقتل الطموح والإبداع في داخلنا وهي ملكات أودعها الله فينا، فليس صحيحاً أن هناك من لا يمكنه أن يصنع شيئ.. بعض الناس يدعي عدم فائدته أو امتلاكه لموهبة واضحة يمكنه أن يظهرها للآخرين وفي هذا الإدعاء لبس عليه، لأن بعض هؤلاء حين يخضعون للتجارب الحياتية مع غيرهم نجدهم يتفوقون بالكثير الذي يدهشنا!.
حياتنا نحن الذين نصنعها ونرسم خطوطها ونحدد معالمها الفرق أنهم لا يعرفون كيف يبدءون ولا يمتلكون ثقة ودراية بما يمكنهم أن يُحسنوه.. فليس هناك إنسان عديم الجدوى إلا إذا أراد هو تعطيل قدراته.
والحياة في مجملها تعطي فرصة عادلة للأفراد في مختلف المجتمعات للحصول على المنافسة الشريفة التي قد تتقدم أحياناً أو تتأخر لكنها حتماً تحصل.
وانطلاقاً من مبدأ التسابق أو التدافع والتنافس في الخير نجد أن القرآن الكريم - وهو الكتاب الأخلاقي الذي يحتوي على كل العبر والتعاملات التي يحتاجها المجتمع- يفتح خطاً واسعاً ومشرفاً للدعوة إلي خوض غمار التدافع والمنافسة في قوله تعالى :﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾[1] ، وقوله تعالى ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[2] .
حصول مثل هذا السباق والتدافع في المجتمع يؤدي إلى خلق مواهب جديدة وإبراز قدرات كانت مطفية أو غير واضحة.. والشيء الجيد أن المنافسة تحرك أجواء القدرات الإبداعية في المجتمع لتفرز منها الجيد وتقوي الضعيف، فهي عنصر بنَّّاء يمكن استغلاله كوسيلة للارتقاء بالفرد لبناء النفس، وللجماعة لعمارة الأرض.
علينا أن نخلق من أجواء التدافع والمنافسة -وهما فطرة في الإنسان- بذرة أولى غايتها نيل رضا الله تعالى وليس غرضها تحقيق مصلحة شخصية فقط
ولا يعني التنافس بالضرورة محاربة الآخرين أو الوصول إلى الشهرة والمكانة فقط.. بل هو طريق لتحقيق الأهداف وإظهار كوامن الطاقات المخبأة وتطوير الإبداعات المختلفة وسيلته استثارة مجموعة من الناس في المجتمع من أجل التسابق لإظهار أفضل ما لديها من أعمال الخير.
والإنسان العصامي الذي بنى نفسه بالطموح ليس هدفه صنع المجد أو تحقيق انجاز يغبطه عليه الآخرين، فهو يرى أن هذا المجد طريق لا غاية تفتح له أبواب جديدة وآفاق يطور من خلالها نفسه ويفرغ طاقاته فيها ليصل إلى النجاح الذي هو غريزة فطرية لديه ورسالة سماوية مكلف بها.
ثمة أشخاص يخوضون غمار المنافسة باندفاع شديد وقد تأتي انجازاتهم رائعة.. لكنها للأسف لا تستمر لأن الصراع والقلق يفترسانها مما يسبب لهم اضطراب وعدم استقرار يفقدهم التركيز والجودة في أعمالهم.
لهذا علينا أن نخلق من أجواء التدافع والمنافسة -وهما فطرة في الإنسان- بذرة أولى غايتها نيل رضا الله تعالى وليس غرضها تحقيق مصلحة شخصية فقط.. وكلما زادت مجالات المنافسة المشروعة في الحياة كلما أفرز ذلك إبداع وتطور غايته الوصول لصلاح المجتمع.