حيـاة الزهـراء (عليها السلام) العمـل والجهـاد
الولادة
ولدت الصدِّيقة فاطمة الزهراء في مكة المكرمة، وقد اختلف في تاريخ ولادتها، فقيل أنها ولدت قبل بعثة رسول الله بخمس سنين، وقيل ولدت في السنة الأولى من البعثة، وقيل ولدت بعد البعثة بخمس سنين وبعد الإسراء بثلاث سنين في 20 جمادى الثاني، والرأي الأخير أكثر اعتباراً من بقية الآراء في ولادتها.
نشأتها
بعد سنتين من ولادة فاطمة الزهراء اتفق كبار قريش على كتابة صحيفة تعاقدوا فيها على مقاطعة بني هاشم حتى يدفعوا إليهم رسول الله ليقتلوه، وتمت المقاطعة حيث حاصروهم في شِعب أبي طالب ثلاث سنين لا يصل لهم الطعام إلاّ سرّاً، فانفق أبو طالب ماله، وكذلك فعلت خديجة ، وقد أجهدهم الحصار، وكانت فاطمة معهم تعيش الحصار والمقاطعة، وتعاني من الجوع والأذى والخوف على والدها من القتل، واستمر الحصار ثلاث سنين ثم انتهى بعد أن تعاقد جمع من المقربين من بني هاشم على رفع الصحيفة.
وبعد شهرين من انتهاء المقاطعة توفيت خديجة بنت خويلد وقبلها أبو طالب، فعاشت فاطمة يتيمة بفقدان أمها وهي لم تكمل عامها السادس، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمنحها الحنان ويسليها ويتسلى بها حتى سميت بأمِّ أبيها.
فاطمة تدافع عن أبيها
لم يكتف المشركون ببثِّ الإشاعات والاستهزاء برسول الله (صلى الله عليه وآله), فلقد مارسوا الاضطهاد والأذى الجسدي به وبالمسلمين، حيث كان بعضهم يطرح عليه رحم شاة وهو يصلي، أو يضعون القاذورات بين كتفيه، وكانت فاطمة (عليها السلام) تدافع عن أبيها رغم صغر سنّها وتواجه المعتدين بالاعتراض عليهم والتنديد بأعمالهم، وكانت تمسح التراب والدم عن وجهه حينما يعود إلى داره.
وكانت تتألم لمعاناة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترقُّ لحاله وكان يقول لها: لا تبكي يا بنية فان الله مانع أباك، وناصره على أعداء دينه.
الهجرة إلى المدينة
لما رأى رسول الله ما يصيب أصحابه من البلاء في مكة، وحينما وجد له أصحاباً في المدينة أسلموا وحسن إسلامهم، أمرهم بالهجرة إلى المدينة فهاجروا، وفي ليلة هجرة رسول الله تعاقد المشركون على قتله.
وقام علي بن أبي طالب بالتمويه عليهم حينما نام في فراش رسول الله وكان المشركون يظنونه رسول الله ، وفي هذه الأوضاع كانت فاطمة تعيش القلق على أبيها، وتعاني من أذى المشركين المحيطين بدارها، ولكن الله تعالى ردَّ كيدهم فلم يستطيعوا قتل رسول الله ولا قتل أحد من ذويه.
وبعد هجرة رسول الله هاجرت فاطمة برفقة على بن أبي طالب وأبي واقد الليثي، وكانت هجرتها عبر الصحراء، وحاول المشركون إرجاعهم إلى مكة إلاّ أنهم لم يستطيعوا بعد أن تصدى لهم الإمام علي .
ولم يدخل رسول الله المدينة إلاّ حين وصولها حيث كان ينتظرها في مدينة قبا.
زواجها من الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب
حينما كبرت فاطمة (عه خطبها بعض الصّحابة وفي مقدمتهم أبو بكر، فقال له رسول الله : انتظر بها القضاء، وخطبها عمر بن الخطّاب فقال له : انتظر بها القضاء(1).
وخطبها بعد ذلك علي، فقال لها رسول الله : إن علياً يذكرك فسكتت فزوجّها، وفي زواجها قال : إن ربي أمرني أن أزوّج فاطمة من علي بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه(2).
وكان مهر فاطمة درعاً من حديد لم يملك علي غيره، وقد قام رسول الله بنفسه ليزفها إلى الإمام علي (ع، وقد توضّأ بماء وأفرغه على علي ثم قال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما، وبارك لهما في ذريتهما(3).
وكانت تعيش زاهدة في بيتها لا تملك شيئاً غير جلد كبش كفراش للنوم، وكانت تعمل بنفسها فجرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وأوقدت تحت القدر حتى أثرت بثيابها(4).
زيارات رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليها
أصاب علي منزلاً بعيداً عن منزل رسول الله قليلاً، فقال له: إني أريد أن أحوّلك إليّ، فحولهما قريباً منه، وكان يزورهما باستمرار، وكان يستأذن فاطمة حينما يريد زيارتها(5).
وكان إذا قدم من غزوةٍ أو سفر بدأ بالمسجد فصلى به ركعتين ثم يأتي فاطمة ثم يأتي أزواجه(6).
دخل عليها ذات مرة وهي تطحن مع علي فقال: لأيكما أعقب، فقال علي: لفاطمة فإنها قد أعيت، فقامت فاطمة، فطحن رسول الله مع علـي لفاطمة(7).
وكان (صلى الله عليه وآله) يمرّ بمنزل فاطمة إذا خرج لصلاة الفجر، فيقول: الصلاة يا أهل البيت، ثم يقرأ الآية القرآنية: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيرا﴾(8).
أتاها علي بقلادة من ذهب من سهم أعطي إليه في إحدى الغزوات، فلما رآها رسول الله أعرض عنها، فقطعتها ورمت بها ثم جاء سائل فناولته القلادة(9).
وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها، ورحب بها، وكذلك كانت هي تقوم إليه وتقبله.
ولما نزلت الآية القرآنية:﴿لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً﴾ هابت فاطمة رسول الله أن تقول له: يا أبة، فكانت تقول له: يا رسول الله، فأعرض عنها مرة أو مرتين ثم أقبل عليها فقال: يا فاطمة إنها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغفلة(10).
إطعام المسكين واليتيم والأسير
نذر علي وفاطمة نذرا أن يصوموا ثلاثة أيام، ففي اليوم الأول قدموا فطورهم فجاء مسكين فآثروه به فبقوا جياعاً إلى اليوم الثاني، وفي اليوم الثاني جاءهم يتيم فآثروه بفطورهم، وفي اليوم الثالث جاءهم أسير فآثروه بفطورهم، فبقيت فاطمة وزوجها وابناها جائعة قد التصقت بطنها بظهرها وغارت عيناها، وكان الحسن والحسين يرتعشون من شدة الجوع، فتألم رسول الله لحالهم فنزل جبريل وقال: خذها يا محمد هنّاك، الله في أهل بيتك، فاقرأه سورة (الإنسان) ومنها الآية الكريمة: ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً﴾(11).
وفي وقت آخر جاءهم مسكين فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع علي اللقمة وقال:
فاطم ذات المجــد واليقيــن يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائـس المسكيـن قد قام بالبــاب لـــه حنيــن
يشكو إلينـا جائــع حزيـــــن كل امرئ بكسبـــه رهيــن
فأجابته فاطمة:
أمــرك سمعاً يا بن عـــم طاعـة ما في من لؤم و لا وضــاعــــة
أطعــمه و لا أبـالـــي الساعــــة أرجـو إذا أشبعــــت ذا مجاعــة
أن الحــق الأخيـــار والجمــاعة وادخل الخلد ولي شفاعة (12)
زهد فاطمة
إن فاطمة ضمنت لعلي عمل البيت وضمن لها علي ما كان خارج البيت: نقل الحطب والمجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به، فقال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله نهاني أن أسألك شيئاً.
وكانت شملتها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً، نظر سلمان الفارسي إلى الشملة فبكى وقال: وآحزناه إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد عليها شملة صوف خلقة، فلما دخلت على رسول الله قالت: يا رسول الله إن سلمان تعجب من لباسي، فو الذي بعثك بالحق مالي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرَنا، فإذا كان الليل افترشناه، وأن مرفقتنا لمن آدم حشوها ليف، فقال رسول الله : يا سلمان إن ابنتي لفي الخير السوابق(13).
جهاد فاطمة
كانت معارك رسول الله معارك دفاعية لرد عدوان واقعي أو محتمل الوقوع، وهي معارك للدفاع عن المظلومين والمستضعفين الذين أخرجوا من ديارهم بسبب الأيمان بالله وبالرسول، وقد شاركت فاطمة في هذه المعارك الدفاعية مشاركة تنسجم مع واجباتها كأمرأة، فالجهاد بالسيف وبالسلاح واجب على الرجل فقط وليس على المرأة، إلا أن أنواع الجهاد الأخرى مباحة للمرأة، ومن هذه الأنواع القيام بخدمة المجاهدين والمقاتلين، فقد شاركت في معركة بدر هي وأربع عشرة امرأة يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم، وفي معركة أحد قامت بتضميد جراح رسول الله حيث أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ثم الصقته بالجرح، وفي غزوة الخندق جازت إلى رسول الله بكسرة من خبز، فقال: يا بنية أما إنها لأول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث(14).
عبادة فاطمة
كانت فاطمة تعبد الله تعالى حق عبادته وكانت مواظبة على صلاة الليل، حيث كانت تقوم الليل وخصوصاً ليلة الجمعة فتستمر في العبادة حتى تتورم قدماها.
رآها ابنها الحسن قد قامت في محرابها ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى طلع الفجر، وسمعها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقال لها: يا أماه لِم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار(15).
تسبيح فاطمة
إن فاطمة الزهراء مع عظم شأنها وجلالة قدرها كانت تقوم بأعمال البيت، وكان علي يعينها ويتعاون معها، والذي يظهر من الروايات أن فاطمة كانت تعمل لبيتها وللجيران أيضاً، حيث توزع الغذاء الذي تطبخه على الجيران وكذلك الخبز، وهذه الأعمال تحتاج إلى من يعاونها فيها، ولكثرة أعمالها طلبت من رسول الله أن يساعدها في خادمة تخدمها، فقال لها رسول الله : يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها: تكبرين الله بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة(16).
والتزمت فاطمة بهذا التسبيح بعد كل صلاة، ونسب إليها هذا التسبيح، وكانت سبحتها من خيط صوف مفتل، معقود عليها عدد التكبيرات، فكانت تديرها بيدها إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب، فاستعملت تربته، وعملت التسابيح فاستعملها الناس.
فاطمة في القرآن الكريم
لما نزلت الآية الكريمة: (إنما يريدُ ليُذهِبَ عنكم الرّجس أهل البيت ويطهرّكم تطهيراً) دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فوضع عليهم كساءً خيبرياً فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وعند نزول الآية الكريمة: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليما﴾ سأل الصحابة عن كيفية الصلاة على النبي فقال: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وحينما جاء وفد من نصارى نجران إلى رسول الله ليحاوروه في أمور مهمة، نزلت الآية الكريمة: ﴿فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ فخرج رسول الله للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها، ولم يباهلوه.
فكانت فاطمة هي المقصودة من ﴿ نساءنا﴾ في الآية الكريمة.
ولما نزلت الآية الكريمة: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾ قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما.
ولما نزلت الآية الكريمة:﴿ وآت ذا القربى حقّه ﴾ دعا رسول الله فاطمـة فأعطـاها فدك(17).
فاطمة في الحديث النبوي(18)
وردت عدة روايات عن رسول الله في فضل فاطمة ومكانتها عند الله تعالى وعند رسول الله ومن هذه الروايات:
(خير نساء العالمين أربع مريم وآسية وخديجة وفاطمة).
(ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة وأبناك سيدا شباب أهل الجنة).
(إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك).
(فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها).
(إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد).
وهذه الروايات صدرت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حق فاطمة لا لكونها ابنته، وإنما وجد فيها صفات وخصائص تدل على فضلها وفضيلتها ورسول الله لا ينطق إلاّ عن وحيّ، وهذه الفضائل مكرمة إلهية لفاطمة، وقال رسول الله (صله) بحق زوجها وابنيها وبحقها: (أنما هما عندي بمنزلة واحدة، واني وإياك وهما وهذا النائم لفي مكان واحد يوم القيامة).
وروي أن رسول الله انتظر بلالاً للآذان فتأخر فسأله رسول الله، فقال: مررت بفاطمة وهي تطحن، فقلت لها: أيهما أحب إليك، إن شئت كفيتك ابنك، وإن شئت كفيتك الرحى، فقالت: أنا أرفق بابني، فأخذت الرحى فطحنت، فذاك الذي حبسني، فقال رسول الله : رحمتها رحمك الله.