انفتاح النصّ الديني
( ما هو النّص ؟ ) سؤالٌ مفتوحٌ لا حدودَ له .. ربما أحتاجُ للعرويّ كي أستند على عصا أتوكّأ عليها .. فهلْ أُشيرُ " للنّص = الكتابَة ".. ممّا يرجِعني لمكوّناتٍ عدّة ( المؤلّف والتأويل وفاعليّة القراءة " الزمكانيّة " ) ؟
أم أغور في بئر النص العميقة فأتحدّث عن طرح " رولان بارت " لمفهومي النّص المقروء ، والنّص المكتوب؟ فيرى أنّ النص المقروء ( النّص المنغلق ) هو النص الْمُنْشَأ بقصدِ توصيل رسالة محدّدة ودقيقة رسالة جادّة لا مجال لتعدّد القراءات فيها.
أَمّا النّص المكتوب ( النّص المنفتِح ) فهو نصٌّ مفتوحٌ يقتضي تأويلا مستمرًّا ومتغيّرًا عند كلِّ قراءة ، فالقارئ هنا مُنتِجٌ أيضًا للنص وحيويّته بخلاف النص المقروء. ( دليل الناقد الأدبي " للبازعي والرويلي )
لكن هل ننطلق إلى أُفق أرحب في تمييز النصّ ، فكما يرى علم المنطق أَنّ الدلالة هي ما يوجب إدراك شيء بسبب شيء آخر .وقسّم الدلالات إلى لفظية وغير لفظيّة ، فالإشارات والرموز والألوان و .. و ..
فإن عبّرَتْ تلك الدلالات عَن شيء فهل تنساق داخل دائرة " النّص " ؟ بمعنى أكثر وضوحًا ( النّص ليسَ سجينَ اللغة ؟ ).
أمّا عن مفهوم " النصّ الديني " ففي حوارِها مع العلامة شمس الدين تسأل الدكتورة زينب شوربا عن ذلك المفهوم فقال في معرض جوابِه ( فكلمة نص في أدبيّاتنا العربية في علمي الأصول واللغة لها إطلاقًا فيما يبدو لي :
- النص بمعنى الكلام الذي له ظاهرٌ صريح ، أو مرجّح ... وهما تعبيران يكشفان عن معان يقينية أو مرجّحة أي ما يحتمل الخلاف وما لا يحتمل الخلاف
- النص بمعنى الصريح ، وهو خصوص ما لايحتمل الخلاف .
والنص بالمعنى الأوّل هو ما تقوم عليه الشريعة ) ( نحو فهم معاصر للاجتهاد )
ويبدو لي أَنّ هذا الرأي ( أي أَنّ النص الديني هو ما يحتمل اليقين وما يحتمل الرجحان " التأويل " ) يتّفقُ عليه المسلمون – لا بالمعنى الكُلي بل بالمفهوم الإجماعي – فالنص الديني مكوّنٌ – إذن – مِن شقَّين : الثابت والمتحوّل ! ( مع ملاحظة إمكانيّة تطوّر الفهم في حفريّات " الثابت " )
وكثيرٌ ما يرفضُ بعضُ إخوتِنا الليبراليّين ( مفهوم الثباتِ في النصّ الديني ) ويزعُمُ بعضُهم أنّ الدينَ " هُلاميّ " يتناسب مع امتداد الزمن والعصرنة ! ، نحن لا نقف معترضين على قولِهم ولكِن أليسَ مِن حقِّنا أن نسألَ عن خصوصيّة هذا الدين ؟
فعن الثبات يقول العلامة شمس الدين في الحوار ذاتِه ( أنا أعرف أنه لا توجد في الحياة ثوابت ، ولكن يُفترض أن يكونَ في التشريع ثوابت حتى يصوغ الحياة )
فالثباتُ هو أَن يكونَ النصُّ – كما يعبّر عنه العلامة – ذا البعد الواحد الذي له أوضاع مختلفة لا تُلغي ذلك البعد الواحد !
والثباتُ هو عدمُ زحزحة النص عن سياقِه في ( المُطلَق ) وقد يختلفُ في الفهم بما لايُنقضه
فالحجاب .. ثابت .. لكن له أوضاعٌ عِدّة لا تنفي ثباتيته .
ويُمكن القول بأَنّ الثباتَ لا يعْني ( الدغمائية ) حتّى في المفاهيم ! ، بل إنّ النّصّ حتّى في ثابتيتِه قد يتفاعَل ميكانيكيّا مع الزمان والمكان بما لا يُلغي خصائصه.
وألفاظ الشريعة حتّى وإنْ كان لها حجيّة في ظهورها فليس من الصحيحِ أن نُجمّد عقولَنا على ما فهمَه أبناء القرن الثالث مثلا .
فكما هو معروف أن العناية بالزمان والمكان لها انعكاس على حجية الظهور " كما يقول الإمام الخميني " قده ".. ويقول أيضا إن الجمود على الألفاظ والمصطلحات يعكس صورة منفرة وقبيحة عن الشريعة ..ويعلق بقوله أن هذا النمط من الفهم هو نفي للحضارة الجديدة من بحث الاجتهاد والتقليد له