علامة الجودة في الثقافة العربية
فرق كبير بين ما هو واقع وبين ما يجب أن يكون، ولعل الفارق بينهما هو الارتباط الحقيقي والوثيق بين حركة القوة الفاعلة والنفوذ وبين أهدافها أو ما تصبو إلى تحقيقه، وفي عالمنا العربي هكذا هي ثقافة المواطن مرهونة بين حركة النفوذ والسياسة التي تدير الشعوب العربية وتحكمها «ديكتاتوريا» وبين ما تريد هذه السياسة أن تحققه بسعيها الحثيث، وهذا يعني استحالة إنتاج فكر وثقافة «عامة» يمكن اعتبارها ثقافة صينية أو هندية أو أوربية «أمريكية» يمكن أن تنسجم مع ثقافة العولمة التي يراد تسويقها.
فحتى مع ارتفاع صيحات الإصلاح من قبل جهات متعددة وبعضها من رحم «الحكومات العربية» إلاّ أنها دعوة لا تزال مقيدة بأصفاد حديدية لا تنفك تدلل على «علامة الجودة!» التي اختصت بها الثقافة العربية السائدة كما نشهده في العراق من أصوات رفضت الدخول في العملية «السياسية» منذ البدء، واستدركت لاحقا بالدخول للمشاركة في كتابة الدستور الجديد الذي بدا فيه تغيير لثقافة و«علامة الجودة العربية» واتضح من مسار المفاوضات أن المطالب الاحتجاجية المرفوعة لا علاقة لها بالاعتراض على «الديكتاتورية» التي تشكو منها الثقافة العربية، بل أنها تريد تأكيد وترسيخ تلك الثقافة في الدستور الجديد وهي أصوات تعلم أنها مدعومة من النظام العربي مع كل أسف».!.
فالثقافة العربية ذات «علامة الجودة» رفضت نص المادة الحادية عشر من مسودة الدستور الجديد والتي تنص على ما يلي:
المادة الحادية عشرة: «يحظر فكراً وممارسة تحت أي مسمى كان كل فكر يتبنى العنصرية والتكفير والإرهاب أو يحرض أو يمجد أو يمهد أو يروج له وبخاصة البعث الصدامي، ولا يجوز أن يكون ذلك جزءاً من التعددية السياسية في الدولة».
فلو لاحظنا إن هذا النص غير مطلق برفض البعث وإنما قيده النصّ بـ «البعث الصدامي»، فإذا كان البعث«الصدامي» تحديدا هو ما تبحث عنه مثل هذه الثقافة وهو ما تريد الحفاظ عليه فقد أصاب «مالك بن نبي» حين نوه وحذر من ثقافة «القابلية للاستعمار» المترسّخة في الثقافة العربية.!
ولكي نقطع ألسنة أصحاب هذه الثقافة، نشير الى الأيدي التي رفعت صورة «معبودها وفارسها» صدام في مظاهراتهم قبل يومين في أحد المدن العراقية «ذات الغالبية السنية» ولم يخجل أصحابها من هذا الفعل المشين.!
فالنظم العربية كلها ترفض الإرهاب ولكنها تكرّسه في ثقافتها، من خلال تعاملها مع أفراد المواطنين بلغة معقدة سياسا واقتصاديا وثقافيا ولا تستخدم مع اللغة المفهومة الواضحة التي تختصر عليه البحث عن وسطاء ومترجمين ليقع ضحية لتوجيههم كما يحدث في العراق، حين يستشعر هؤلاء أن السياسية العربية تدعم هذه الأصوات لأن السياسة العربية تطالب بالحفاظ على حقوق السنة وتصوير ما يحدث في العراق بأنه إلغاء لحقوقهم وتجاوز على مواطنتهم وهذا شحن وتغرير بهم لرفض ما يحدث، وهذا ما يتضح من السياسة الإعلامية.!
أليس في هذا الأمر تعزيز لشعور الأخوة السنة بالغبن وأنهم محقين في مطالبهم – مع أنها – إجحاف بحقوق ضحيا صدام الطاغية؟
إن الدعم السياسي الرسمي لمطالب هؤلاء المعترضين على «مسودة الدستور» واضح لا مجال لنفيه، وهنا تكمن الثغرة التي نقول أنها منفذ المترجمين والوسطاء بين المواطن العربي وبين منتجي السياسة العربية.
ونحن هنا أمام احتمالين لا ثالث لهما:
• الاحتمال الأول: أن الثقافة العربية لا تريد دستوراً ينسجم مع ثقافة العولمة والتي تمثل الانتخابات الشعبية فيه أهم أركانه الأساسية لغياب أي دعم عربي رسمي للعراقيين في إنجاز كتابة «نصّ الدستور» وظهور أكثر من تصريح من مسؤولين عرب تدعو للحفاظ على حقوق «الطائفة السنية» فقط والتحذير من عواقب «خطيرة» في حال عدم رضاهم.
• الاحتمال الثاني: أن الثقافة العربية تريد دستوراً ينسجم مع مطالب المعترضين والتي لم يقبل بها أغلبية لجنة كتابة الدستور المنبثقة من الجمعية الوطنية وهم ممثلو الشعب العراقي «المنتخبون بالاقتراع المباشر» ولا قيمة لمطالب هذه الأكثرية أمام مطالب الأقلية..!
وأمام تجربة الصراع مع الإحتلال في فلسطين، رأينا الضغوطات الرسمية العربية تتجه نحو الفلسطينيين للتوافق والقبول بحدود 67 ومن ضمنها نصف مدينة القدس «الغربية» المحتلة وهي ذات «الجودة» التي تمارس تحفيز «بعض السنة» وإيغار صدورهم تجاه ما يحدث من تغيرات تتفق مع إرادة شعبية جسدتها مشاركة شعبية واسعة في أول انتخابات كبرى يشهدها العراق منذ سقوط طاغيته.
فالقوة الفاعلة والنفوذ في الساحة العربية بحاجة إلى وسطاء ومترجمين يفسرون لنا حرص السياسة العربية على الشعب العراقي انطلاقاً من نبذ ودعم الثقافة الإرهابية في آن واحد، أم أن ذلك من «علامة الجودة» أيضا؟