ابتسامة.. ودمعة حزن
هلّ هلال شهر شعبان وهلّت فيه الأفراح.. التي غمرت قلب كل شيعي وموالي.. وأضاءت الأنوار في سماء الدنيا.. فهذا الشهر المبارك يتميز بمواليد آل الرسول صلوات الله وسلامه عليهم: الإمام الحسين عليه السلام, الإمام العباس عليه السلام الإمام السجاد عليه السلام, والإمام المهدي عليه السلام.
عندما نحاول أن نبحث عن مناقبهم.. عن سيرتهم الذاتية.. نقف قليلاً نتأمل حياتهم تأخذك الحيرة.. فماذا سنكتب..؟ فأنت سوف تتحدث عن شخصيات رسالية, قيادية، شخصيات تهفو إليها قلوب العاشقين والمحبين..، فهذه الأيام الفضيلة المباركة يتسابق الكتّاب, الشعراء, المفكرون والعلماء ليكتبوا حرفاً أو كلمة شعراً أو نثراً.. ليعبر كل منهم بما تجود به قريحته وما يخطه قلمه من ولاءٍ وحب, وتعطش للاقتداء بهذه الشخصيات الرسالية الفريدة.
وأول شعاع رباني أضاء لنا نوره وانتشر في ربوع الكون هو الإمام الحسين عليه السلام، فهو الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام أول المؤمنين وسيد الوصيين, وأمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام, جده سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله, جدته سيدة نساء قريش خديجة بنت خويلد عليها السلام.
ففي يوم ولادته عليه السلام أوحى الله تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنة وزينها كرامة لمولود يولد في دار الدنيا.. وأوحى الله تعالى للملائكة أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتقديس والثناء واهبطوا إلى أرض الدنيا بقنديل من الملائكة لاستقبال ذلك المولود المبارك.
ولد عليه السلام في الثالث من شعبان وقت الفجر.. من أشرف سلالة بشرية، وهنّأ جبرائيل النبي المرسل صلى الله عليه وآله وقال: سماه الله جل جلاله (الحسين) لأنه لم يكن في زمانه أحسن منه وجهاً. نظر إليه الهادي الأمين.. برحمة وحنان.. ضمه لصدره.. وبنحره شمه.. وبثغره يلثمه.. نظر إليه جبرائيل وهو يبكي.. لماذا يا أخي جبرئيل تهنئني وتبكي..في لحظة يبتهج خليلك فرحاً..؟! نعم يا محمد ابنك هذه تقتله أمتك.
تستقبل البضعة الزهراء عليها السلام أبنها بفرحة.. بابتسامة من ثغرها الطاهر، لكنها ترى علامة الألم والحزن مرتسمة على محياه الشريف.. أبتاه لما أنت حزين؟ يخبر البضعة الطاهرة عليها السلام بما يجري على المولود الصغير المبارك، تشهق شهقة تكاد تخرج الروح من الجسد..، أبتاه من يقتل أبني وقرة عيني وثمرة فؤادي؟ .. آه يا بضعتي تقتله أمتي -لا أنالهم شفاعتي-، في أرض كربلاء.. فينادي الحسين عليه السلام: أما من معين يعيننا؟.. أما من ناصر ينصرنا؟، فلن يجيبه أحد، نعم هذا هو سبط الرسالة وسفينة النجاة.. الشهيد الغريب.
أن فاطمة الزهراء عليها السلام بكت على الإمام الحسين من قبل أن تحمل به؛ لأنها عالمة غير معلمة بما يجري على فلذة كبدها.. وقالت لأبيها: أبتاه من يبكي على ولدي الحسين من بعدي؟ فنزل جبرائيل عليه السلام يقول: إن الله تعالى ينشىء له شيعة تندبه جيلاً بعد جيل.
وقال الرسول صلى الله عليه وآله لأهل بيته.. (الإمام علي، فاطمة الزهراء، الحسن والحسين عليهما السلام): (يا أهل بيتي كيف لي بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى؟
فقال له الإمام الحسين عليه السلام: ياجدي.. نموت موتاً أو نقتل قتلاً؟
قال: يابني بل تقتل ظلماً وعدواناً وترد ذراريكم في الأرض شرقاً وغرباً.
فقال الحسين عليه السلام: ومن يقتلنا ياجد؟
فقال: يقتلكم أشرار الناس.
قال: فهل يزورنا بعد قتلنا أحد من أمتك؟
فقال: نعم طائفة من أمتي يزورون قبوركم ويبكون عليكم وينوحون حزناً على مصابكم يريدون بذلك برّي وصلتي، فإذا كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف فأخذ بأعضائهم فأخلصهم من أهوال يوم القيامة وشدائدها).
أذن إن زيارة الإمام الحسين عليه السلام تعدل الحج والعمرة والجهاد بل أفضل، حيث تورث المغفرة وتخفيف الحساب وارتفاع الدرجات وإجابة الدعوات، وتورث طول العمر وحفظ المال والنفس وزيادة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الهموم والكربات، بل إن زيارته عليه السلام تزيل الغم وتهوّن سكرات الموت وتذهب بهول القبر، وإن الزائر إذا توجه إلى قبر الإمام الحسين عليه السلام أستقبله أربعة آلاف ملك فإذا رجع من زيارته شايعته، وان الأنبياء والأوصياء والأئمة المعصومين والملائكة يزورون الإمام الحسين عليه السلام ويدعون لزواره بالمغفرة.
أي فضيلة بل أي عظمة توشحت بها يا أبا الشهداء، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (حسين مني وأنا من حسين)، (حسين سبط من الأسباط).
بأبي أنت وأمي يا أبا عبدالله.. سيدي ياحسين.. أسمك يحمل معنى خاصاً وسراً من الأسرار لا يعلمه إلا الله.. حروف اسمك منقوشة على سرادق عرش الله وعلى جناح جبرئيل وعلى باب الجنة.. بل منقوشاً على قلوبنا بدم الوريد..، يذكرك رسول الله صلى الله عليه وآله.. ينطق اسمك يبكي!، .. أباك أمير المؤمنين عليه السلام، أمك الزهراء عليها السلام.. أخيك الحسن عليه السلام.
كل من يذكر حسيناً يبكي.. بل بكت لأجلك ملائكة السماء, والطيور في السماء، والحيوانات والأشجار.. كل حجر ومدر يبكي وينادي: ياحسين ياشهيد.
حتماً بكت لمصابه كل عين يوم مقتله، لكن كذبت عينا لم تبكي حسيناً يوم مولده ولم تذرف الدموع الهائلة وتزيد حرقة قلب كل مؤمن لما جرى على الإمام الحسين عليه السلام، فيوم مولده يمتزج فيه الفرح بالحزن.. السعادة بالكآبة تختلط دموع الفرح بالحزن.
هذا يوم السبط الشهيد.. الذي كبر رويداً.. رويداً في كنف جده وأبويه إلى أن بذل مهجته في سبيل الله ليكون قدوة إلى الآخرين فهل نتبع السبط الشهيد؟
ونتعلم من درسه ومنهجه ونهجه قولا وفعلا..
ولا نتبع إلا من كان حسينياً في كلماته وحركاته وأفعاله..
وندخل في سفينة النجاة..
ونتبع مصباح الهدى لنحظى بكرامة الدنيا وسعادة الآخرة ؟.
فسلام الله على من هز مهده ميكائيل يوم ولد ويوم استشهد مظلوماً غريباً ويوم يبعث حيا مع أهل بيته وأنصاره.