مرافئ إنسانية ..
يألف أحدنا الحديث إلى شخص يفهمه ويقدره ويجد نفسه منجذبا نحوه بصورة واضحة وقد يعطي المتحدث انطباع آسر للآخرين بعمق الفهم وعمق التفكير وبعد النظر، والناس بشكل عام تميل للكلام الطيب والحديث الحلو الذي يأتي عاكسا لما في القلوب من صفاء ترتقي به الروح ومحملا بمعاني الود والألفة والإخاء .. ولا يمكن للمرء في أي حال من الأحوال أن يتجاهل ما تحمله النفس من حاجة ملحة لطرح ما بداخلها من زخم تفرزه الأيام وتعقيداتها المستجدة وحاجتها دوماً لإيجاد مرسى تحط فيه بعد رحلات إبحارها الطويلة ، لكن هل من السهل أن يتواجد مثل هذا الشخص في حياتنا ولو وجد فهل هناك مقياس يمكننا الاعتماد عليه نمنحه من خلاله ثقتنا ، فما أكثر مقالب الأصدقاء أو من نظنهم أصدقاء لنا عبروا جسور أرواحنا بالكثير من القسوة ليطفئوا أنوارها، وامتصوا كل طاقاتنا بعد أن فتحنا لهم نوافذ قلوبنا وأشرعنا لهم بواباتها وفرشنا لهم دروبها بالكثير من الود والترحاب وأطعمناهم من حبنا وسقيناهم من عطفنا وحملناهم فوق عروش مضيئة لقلوب تنبض داخلنا بالعطاء والإخلاص، لكنهم رحلوا بعد أن خلفوا في داخلنا معاني سيئة وجروح لا يزال الزمن يحتفظ بها مفتوحة رغم تقادم عهدها.
يقال أن للإنسان أي إنسان شريك أو توأم روحي .. إنسان تربطه به علاقة إنسانية بحتة .. شخص متوافق معه من ناحية الفكر والروح والهدف .. قد يكون أخ أو صديق ، أب أو أم قريب أو معلم أو زوج، المهم مرفأ أو مرجع يعود إليه بعد تحقيق كم من الفوز والانتصارات والإنجازات أو حين تطاله خيبات الأمل والانكسارات والهزائم لتدثره بالأسى وما أكثرها في حياتنا، ويقال أيضاً بأنه ليس من السهل أن يجد المرء مثل هذا الرفيق ربما يرجع أحدهم الأمر إلى تغيرات أو تقلبات في أمزجة الإنسان، أو قد يشير البعض إلى تعقيدات ومستجدات طرأت على نمطية حياتنا بينما آخرون يعللون الأمر بأنه انعدام لقيم الوفاء .. لكن الأكيد هو أنه لم يعد أحد يثق كثراً بوجود مثل هذا الشخص ولو وجده فإنه يبقى حذرا في التعامل معه، و لذا يظل المرء أحيانا يعاني فراغاً أو قصوراً في لمس الشفافية الروحية من الآخرين، وتظل وحدها الأماني هي التي يبحث عنها وسط المرافئ علها تصدق معه ذات يوم ! .
الخميس 4/8/1426هـ