نزار حيدر محاضرا في مركز دار السلام بالعاصمة واشنطن:التكفيريون لا دين لهم
اعتبر نـزار حيدر، أن إقرار القرآن الكريم بالتنوع، دليل شرعي وعقلي على وجوب احترام الآخر مهما اختلفنا معه، وأضاف؛ إن التكفيريين الذين يحكمون على الآخر بالموت لمجرد أنه يختلف معهم في الدين أو المذهب أو القومية أو الرأي، لا دين لهم، لأنهم يخالفون كل النصوص القرآنية الصريحة التي أجازت وأقرت التنوع والاختلاف، على كل الأصعدة.
وأضاف نـــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، الذي كان يحاضر ليلة الأحد الماضي (29 تشرين الأول) في مركز دار السلام بالعاصمة واشنطن، ضمن البرنامج الرمضاني الليلي للمركز؛
إن قراءة دقيقة وشاملة ومتأنية لآيات القرآن الكريم، تهدينا إلى حقيقة في غاية الأهمية، ألا وهي، أن الأصل هو التنوع وليس الوحدة، بالرغم من وحدة الخلق، كما في قول الله عز وجل؛ ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا﴾ فلقد تحدث القرآن الكريم عن التنوع على مختلف الأصعدة منها؛
التنوع في النبات، كما في قوله عز وجل﴿وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾ أو في قوله عز وجل﴿والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه﴾.
التنوع في الحيوان، كما في قوله عز وجل﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾.
التنوع في الملائكة، كما في قوله عز وجل﴿الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير﴾.
أما التنوع في الإنسان، فيتخذ أشكالا مختلفة، وهي كالتالي:
أولا، التنوع العرقي والقومي، كما في قول الله عز وجل﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير﴾.
ثانيا، التنوع في اللسان واللغة واللون، كما في قول الله عز وجل﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾.
ثالثا، التنوع الديني، كما في قول الله عز وجل﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شئ شهيد﴾.
رابعا، التنوع في الرأي والفكر والقناعات والفهم، كما في قول الله عز وجل﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب﴾.
خامسا، التنوع في درجات العلم والرزق، كما في قول الله عز وجل﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير﴾ أو في قوله عز وجل﴿نرفع درجات من نشاء، وفوق كل ذي علم عليم﴾ وفي قوله عز وجل﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا﴾.
واستطرد نزار حيدر بالقول:
إن التنوع هو أحد تجليات عظمة الله عز وجل، وقدرته في خلقه، والى هذا المعنى أشار القرآن الكريم بقول الله عز وجل﴿وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون﴾أو كما في قوله عز وجل﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه، كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور﴾ وفي قوله عز وجل﴿وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون﴾ وفي قوله عز وجل﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾.
كما أن إقرار القرآن الكريم بالتنوع دليل على مشروعيته، ولذلك وجب اعتماده واحترامه، إذ لا يحق لأحد أن يكفر بهذا التنوع أو يتنكر له أبدا، فيسعى لإجبار الناس على الوحدة في التفكير والانتماء والرأي، لأنه يتعارض وحكمة الله عز وجل في التنوع، كما أن ذلك يعتبر أول الظلم الذي يلحقه الإنسان بأخيه الإنسان، عندما يسلب منه حقا الله تعالى منحه إياه، ألا وهو حق التنوع والاختلاف، لأن الإكراه والفرض والجبر ظلم يفضي إلى القتل إذا ما رفض الإنسان الانصياع إلى الآخر الذي يحاول كل ذلك معه.
لقد تحدثت العديد من آيات القرآن الكريم، عن تجلي إرادة الله عز وجل في التنوع، وهي تخاطب النبي الكريم بعدم قدرة أحد على معاكسة هذا التنوع لأن الله أراد ذلك، فهل لأحد من البشر أن يخالف هذه الإرادة الإلهية؟ كما في قول الله عز وجل﴿ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم﴾ وفي قوله عز وجل﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين﴾ وفي قوله عز وجل﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء﴾ وفي قوله عز وجل﴿ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة﴾ وفي قوله عز وجل﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ وفي قوله عز وجل﴿وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم انه عزيز حكيم﴾وأخيرا في قوله عز وجل﴿انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين﴾.
من هنا يتأكد لنا بأن فرض الدين والمذهب والرأي والفكرة وكل ما يرتبط بإيمان الإنسان وعقله وقناعاته، إنما هو مخالفة صريحة لله عز وجل ومعاكسة لإرادته ومنازعة لردائه في الخلق، وبذلك نستنتج بأن التكفيريين لا دين لهم وأن (الاكراهيين) الذين يكرهون الناس على إيمان ما أو سلوك معين، لا ينتمون إلى دين وهم، في حقيقة الأمر، يتعارضون مع الإرادة الربانية التي شاءت أن يكون الناس مختلفين وأن يكون التنوع هو الأساس في خلق الله عز وجل.
لقد خلق الله الناس وهداهم إلى الحق، ثم ترك الخيار بأيديهم كما في قول الله عز وجل﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ فلا يحق لأحد كائن من كان، بمن فيهم النبي والرسول المبعث من قبله عز وجل، أن يجبر الناس ويكرههم على ما لا يريدون.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فلقد شاءت إرادة الله عز وجل التنوع من أجل التعارف والتعايش، وليس من أجل الصدام والاقتتال، وأن طرق التعارف والتعايش هي الحوار والاحترام المتبادل والإقرار بحق الآخرين في الاختلاف وكذلك احترام الرأي الآخر مهما كان نوعه، لا زال في إطار المنطق، لم يتورط بالعدوان والعنف والقتل والدم والسيارات المفخخة والتجاوز على حقوق الآخرين.
لقد أكد القرآن الكريم على هذه القيم المقدسة في أكثر من آية، من أجل أن يشيد بناء الحوار على أحسن وجه وفي أفضل صورة ليتعلم الناس الحوار بالحكمة والمنطق والدليل والبرهان، وليس بالأيدي والأرجل والسباب والعنف، فمثلا، نهى الله عز وجل الناس من أن يسخر بعضهم من بعض، كما في قوله عز وجل﴿يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن﴾ وفي آية أخرى نهى الله تعالى عن السباب إذ يقول عز وجل﴿لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم﴾ وكل ذلك من أجل تثبيت أسس التعايش السلمي الصحيح بين بني البشر مهما اختلفوا في كل شئ، كما في قول الله عز وجل﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين﴾ فلا زال الآخر يلتزم بقواعد التعايش والسلم الأهلي ولم يعتدي أو يتجاوز الحدود والقواعد ولم يظلم، كان حقا على المؤمنين أن يبروه ويقسطوا إليه، بغض النظر عن درجة الخلاف ونوعيته، لأن الخلاف لا يبرر القتال عندما يكون في إطار التنوع الذي شاء الله أن يخلق عليه الناس.
ولأن التنوع هو خلق الله تعالى، وهو إرادته ومشيئته، ولذلك اعتمد أسلوب الرسل والأنبياء الحوار وعدم الإكراه، فكان أسلوبهم المنطق، وأدواتهم الحوار والجدال بالتي هي أحسن، ووسائلهم البرهان والإنصاف مع الآخر، لأنهم منعوا من إكراه الناس على شئ، فهم ليسوا مسيطرين أو متجبرين، والى هذا المعنى أشارت الآيات الكريمة التالية من قول الله عز وجل:
﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾﴿أم اتخذوا من دونه آلهة، قل هاتوا برهانكم﴾﴿لكم دينكم ولي دين﴾﴿أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾﴿وان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين﴾﴿قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم، إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل﴾﴿قل من يرزقكم من السماوات والأرض، قل الله، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل﴾﴿من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون﴾﴿وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون﴾﴿ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفورا رحيما﴾﴿فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر﴾﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾﴿لا إكراه في الدين﴾﴿ليس لك من الأمر شئ، أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون﴾﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾.
نستنتج من هذه الباقة من الآيات القرآنية الكريمة، عدة حقائق، هي كما يلي:
ألف؛ إن أمر الحكم بين العباد مرده إلى الله عز وجل، وليس إلى النبي أو المرسل، فلا يحق لأحد أن يحكم بين الناس على أساس ما يعتقدون ويؤمنون به، أبدا، فقد نهى القرآن الكريم عن(محاكم التفتيش) كما في قول الله عز وجل﴿ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون﴾ وكما في قوله عز وجل﴿قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾ وفي قوله عز وجل﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون﴾.
باء؛ إن الرسل والأنبياء هم مبشرون وداعون إلى الله تعالى، ليس لهم أي سلطان على عقل الناس واعتقاداتهم.
جيم؛ يلزم احترام عقائد الناس مهما كانت، ومهما اختلفت لدرجة الشرك بالله عز وجل.
دال؛ إن التحلي بمكارم الأخلاق عند جدال الآخر هو الطريق إلى العقول والقلوب وليس العنف والإكراه والإرهاب.
هاء؛ لا يجوز الحوار مع الآخر، في أجواء الأحكام المسبقة، كأن تخبره بخطئه وصحة ما ستذهب إليه، حتى قبل البدء بالحوار، فما فائدة الحوار في هذه الحالة، إذن؟ يلزم الإنصاف مع الآخر ليتقبل منك الحوار والدليل.
حتى طريقة حديث الرسول مع الطاغوت حددها القرآن الكريم، بقول الله عز وجل﴿اذهبا إلى فرعون انه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾ أي أنه عز وجل أمر نبيه المرسل بأن يتحدث مع الطاغوت بلين ورفق، فلا يلجأ إلى العنف اللساني، لأن المطلوب هو التأثير بالآخر وليس صده عن الإيمان بالله تعالى، وكما هو واضح فان حديث العنف والتقريع لا يترك أثرا ايجابيا في نفس الآخر.
لهذه الدرجة، إذن، يراعي القرآن الكريم طريقة الحوار بالتي أحسن مع الآخر.
ولو قرأنا تاريخ الرسل والأنبياء، وعلى وجه الخصوص، تاريخ الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رأينا أنه فرض شيئا على من رفض رسالته، فهو لم يوظف العنف والإكراه والقوة والسيف والتعسف والإرهاب، قط في مهمته الربانية، لأنه مأمور بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أنه مأمور بالتبليغ وليس بالسطوة والسيطرة، فذلك حال الجبابرة والملوك والمستكبرين والطغاة، أما الرسل والأنبياء ومن على شاكلتهم من المصلحين، فمنطقهم البلاغ والحوار والجدال بالتي هي أحسن والدليل والبرهان، وأنا أجزم هنا، لو لم يواجه صناديد قريش دعوة الرسول الكريم بالقوة، لما أريقت قطرة دم واحدة في كل عهد النبوة، لأنه ليس في أجندة الرسالة وصاحبها استخدام القوة لفرضها على الناس أبدا، كما لم يكن الإكراه والعنف من وسائلها إطلاقا، إلا أن عناد قريش وإصرارها على منع الرسول من تبليغ الرسالة بأية طريقة سلمية، هو الذي اضطر المسلمين للدفاع عن أنفسهم، والى هذا المعنى يشير القرآن الكريم بقول الله عز وجل﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾ فلولا ظلم قريش للرسول الكريم وأصحابه والتابعين له، لما شرع الله تعالى له القتال أبدا، فالقتال هنا للدفاع وليس للابتداء، وذلك هو حال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حروبه الثلاثة التي اضطر لخوضها بسبب خروج بعض (الصحابة) على إمام زمانهم المنتخب من قبل المسلمين، وعنادهم وإصرارهم على اللجوء إلى القتال لحل المشاكل الداخلية، وكذا هو حال السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، وكل الشهداء والصالحين والصديقين.
لم يذكر لنا التاريخ أن الرسول الكريم أجبر أحدا على الالتزام بدينه، ولم يكره أحدا على الصلاة أو الصوم، كما لم يكره امرأة، قط، على ارتداء الحجاب، كما تفعل اليوم بعض الأنظمة باسم الإسلام، أو بعض التنظيمات التي تدعي حرصها على الإسلام، كما أنه لم يجبر أحدا على حضور صلاة الجماعة، ويكذب على الله ورسوله، من يدعي أن الرسول أحرق بيوت بعض المسلمين لأنهم رفضوا حضور صلاة الجماعة، كما يدعي البعض.
حتى زوجاته لم يجبرهن على شئ، بل خيرهن بأمر الله عز وجل، كما في قوله جلت قدرته في محكم كتابه العزيز﴿يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما﴾.
إن دعوة المنطق ثابتة، أما دعوة العنف والسيف فزائلة، إن عاجلا أم آجلا، كما أن التغيير الذي يعتمد المنطق، ثابت لا يتزعزع، أما التغيير الذي يجري بالإكراه والإرهاب، فزائل لا يدوم أبدا، ولذلك دامت دعوات الرسل والأنبياء والصالحين، لأنها اعتمدت المنطق وطريق الإقناع والسلم، أما دعوات الطغاة فلا تدوم طويلا لأن أسلوبها العنف والإرهاب والإكراه والتعسف.
إن العنف والإكراه واستخدام القوة لفرض الرأي والموقف والدين والطريقة والإيمان والالتزام، هو منهج الطغاة والمستبدين والجبابرة على مر التاريخ.
تعالوا نقرأ، مثلا، هذه المنهجية عند نموذج صارخ من نماذج الطغاة، انه فرعون، فماذا قال هذا الطاغوت لمن آمن بموسى عليه السلام الذي لم يرفع بوجهه سعفة ليقاتله؟ انه قال ﴿فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال، وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾ وفي آية أخرى﴿قال آمنتم له قبل أن آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى﴾ وفي أخرى﴿وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك، قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون﴾.
شتان، إذن، بين منهج الرسل والأنبياء، الذي يعتمد الحوار والمنطق والاعتراف بالآخر، وبين الجبابرة والطغاة الذين لا يفهمون إلا لغة القتل والعنف والإكراه.
من هنا يبدو لنا واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار، أن من يريد أن يلتزم نهج الرسل والأنبياء في عملية التغيير، عليه أن يوظف وسائلهم فقط في الحوار، أما من يوظف القتل والتكفير والإرهاب والعنف في(حواره) مع الآخر، فلا يمكن أن يكون ربانيا ونبويا أبدا.