وقتاله كُفر
إنه بلا شك عصر الجنون؛ عصر انقلاب الموازين وتبدّل الحقائق؛ عصر ساد فيه الباطل على الحقّ ومارس بشاعة الاستعباد عليه.
زمان جائر تحول فيه الدم إلى ماء؛ وتحولت فيه الروح إلى عبث.. وفجأة وجد الإنسان نفسه في هذا العصر مجرداً من حقوقه الإنسانية؛ لأن هناك مجموعة من فصيلة «اللا بشر» كفرّت ذلك وأحصت له أنفاسه ونصّبت نفسها عزرائيل عليه.
تباغض وتناحر وتسابق عكس التيار من قِبل فئة ضالة هدفيتها وغايتها المنشودة من كل ذلك هي«الحور العين»؛ التي تحولت لغة الوصول إليهن إلى نحر وذبح وتفجير أوردة وشرايين؛ تحولت إلى قساوة وبشاعة وإجرام فضيع..
«الحور العين» ذلك المسمّى الذي يختزن أسمى معاني الرقة والجمال والذي سلب ذلك المسمّى لبّهم فبغوا وظلّوا لأجل الوصول إليهن بأيدي جائرة ملطخة بدماء الأبرياء.
ذلك هو «التطرف» الذي يرتبط عادة بالانغلاق والتعصب للرأي، ورفض الطرف الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه والحطّ من شأن أفكاره. والمتطرف فرداً كان أم جماعة، ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية سوداوية، لا يؤمن بتعددية الآراء والأفكار ووجهات النظر، ويرفض الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره، متزمتاً لا يبدي استعداداً لتغيير آرائه وقناعاته، وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً، وإباحة دمهم. ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾..
فينقلب العالم إلى غابة ويقتل بعضهم بعضاً ظانيّن إن المسافة بينهم وبينهن هي دماء وظلم وإرهاب وزعزعة أمن..
مستبعدين إن تلك ماهي إلاّ المسافة الفاصلة بينهم وبين زبانية جهنم.
لأنهم لم يظلموا فقط أهل الأرض بل تجرؤوا حتى على أهل السماء..
ولا عجب من ذلك كونهم تلامذة إبليس.
والأعجب من كل ذلك إن التاريخ الأسود يعيد نفسه ويكشف أوراقه الصفراء العتيقة من جديد؛..
فبالأمس قتل قابيل أخيه هابيل بوسوسة من إبليس اللعين لأجل فتاة جميلة يطمح للوصول إليها وكان الثمن باهضاً؛حيث كان دم أخيه ثمناً استباحه؛ وفي النهاية خسر أخيه وفتاته.
والآن يقتل المسلم أخيه المسلم بلا جرم ليصل إلى الحور العين وبذلك تتوافق الرغبتان ولكنها اقل حياءً من قابيل الأمس؛ فقابيل الأمس أخفى جثة أخيه وواراها في التراب تستراً على جريمته النكراء حينما دق ناقوس الضمير في أعماقه وزعزعه.. أما قابيل اليوم فهو يذبح ويستبيح دم أخيه المسلم علانية وجهراً أمام مرأى ومسمع العالم كله؛ وكأنه بذلك تناسى قول الرسول الأكرم «سباب المسلم فسوق... وقتاله كفر»..