خبرٌ عاجل
- من مات ؟ !
أكملْ شرب كأس الشاي بعد سماعك للخبر، فلم يُقتل سوى عشرون عراقياً ككل يوم، ولا تعرض صفحاً عن الشاشة، فثمة دماء تجري على أروقة المستشفى، أضحكْ وواصلْ حديثك، فمن يُقتل هم شعب آخر.
هكذا يتعامل البعض مع الأحداث الدامية في العراق، لا شيء تغير، كل يوم قتلى، تفجيرات، هجوم، حصار، ونساء صارخات (حرام) ولكن ما أن تنتهي نشرة الأخبار يعود كلٌ إلى ممارسة حياته.
البعض يشاهد النشرة مجبراً لأن أحداً أكبر منه يتابعها، فيتنفس الصعداء عندما تعلن المذيعة إعادة العناوين وتلقي التحية للوداع.
البعض لا تربطه أية علاقة بالقضايا العربية والإسلامية، منفصل تماماً.
- مَنْ سجن مَنْ؟
من الذي جعل منهم لا يهتمون لما يجري، من الذي صور لهم أن ما يحدث لا علاقة لهم به؟ من الذي غزا الآخر؟ هل احتلت أمريكا العراق؟! أم احتلت عقولنا وغيبتها عن الواقع؟
من يسجن من؟ هل يُسجن الشباب والشابات من الشعب العراقي في السجون الأمريكية والبريطانية؟ أم أننا نحن من اُعتقلنا حقيقةً في سجون أكبر؟
يبرر البعض بأن ما يحدث في البلدان الإسلامية أمر خاص بتلك الدولة فقط، والآخرون يبررون بالقول أن الأحداث هي ذاتها لا تتغير، أما البعض الآخر لا يجد وقتاً لأنه يتابع العديد من البرامج التي تبعده عن القضية الأهم.
- الحقيقة أن الجهل هو السبب:
وذلك لأن من لا يجد أهمية لما يحدث في البلدان الإسلامية جاهل لما يحدث فيها، جاهل لما يُحاك ضدها، هو جاهل أن القضية أكبر من مجرد بلد مُحتَل، الحقيقة أن المطامع تمتد إلى جميع البلدان الإسلامية والعربية، وأن هناك شعوب تقاتل من أجلنا ومن أجل حريتنا، بينما نحن مشغولون بحياتنا.
- وهل السعي حرام ؟ !
إن الاستغراق في يومياتنا إلى الحد الذي يجعلنا لا نجد أي باعث لمعرفة ما يحدث في العراق أو فلسطين مثلاً ، لا يعد مبرر مقنع.
فهناك عدة طرق لمعرفة ما يدور، الإذاعة... لمن يرفض رؤية المشاهد بدعوى أنها تؤلم القلب، بينما يستغرق البعض ممن يحمل هذا الشعار في متابعة قنوات تجعل القلب خالياً من كل هموم الدنيا والاستغراق في مباهجها وزخرفها.
الجرائد... ويمكن لمن لا يجد الوقت الكافي مطالعة العناوين فقط وتحديد ما يريد متابعته.
- التلفاز... ولكي لا يتعذر أحد ما بقلة الوقت ليقرأ الشريط الأحمر فقط.
- الجلوس مع أحد من المتابعين لما يجري.
- حقاً لا يراد منك أن تعرف كل الأخبار، فأنت لن تُعين مقدم في نشرة أخبار الجزيرة، وإنما المراد فقط أن تهتم لما يجري للمسلمين، كما قال الإمام الصادق عليه السلام: (من أصبح و لم يهتم لأمور المسلمين فليس منا).
- القضية:
ما هي القضية؟ هل يجب أن يتابع الناس الخبر أم القضية؟ هل يتجاهل الناس ما يحدث بدعوى (لا تضيقوا علينا حياتنا وخلونا نستمتع) أم أن هناك قضية علينا الإلتفات إليها؟.
كيف صار الناس يتجاهلون ما يحدث لإخوانهم؟ هل بدأ هذا بتقسيم –الوسط الإسلامي- إلى دول بُعيد التخلص من الدولة العثمانية في بداية القرن الماضي ؟
كيف غدا العربي يتجاهل ما يحدث لأخيه ؟
كيف تصبح قضية اختفاء (السيد موسى الصدر) قضية لبنانية، وليست قضية عربية إسلامية ؟ ألم يكن يدافع عن كافة العرب وليس فقط المسلمين، برفعه الشعار لمحاربة الفقر والجهل والعنصرية والاحتلال؟
كيف تصبح قضية الأسرى العرب كـ (سمير القنطار) قضية حزبية وليست قضية تهم الجميع؟
هل يتوجب على العدو أن يحتل بلادنا ويعتقل شبابنا ونساءنا ويقتل أطفالنا؛ ليهتم الناس بالقضايا الهامة و المصيرية ؟!
- الوادي:
عندما تريد تغييب عقل شعب ما، احتلْ بصره وسمعه، احتلْ كل ما يصل إلى فكره.
لنراقب الوضع الآن لنجد أن كل وسائل الغزو موجودة، ولكننا لا نجد دبابات تسير في طرقاتنا، ولا نجد ثكنات عسكرية نصّبها المحتل، ولا تسد طرقنا نقاط تفتيش تُقتل فيها الأجنة والنساء الحوامل، ولا تُصادر حرياتنا في المعتقلات، إنما هناك غزو جعل من عقولنا مخدرة، مسلوبة، قد غزانا العدو في عقر دارانا عندما احتل الطبق الشهي الذي تنظر له أعيننا، فهذه البرامج التي تبث مشاهد حية للمغنيين من خلال برنامج مضى وُيقال أنه سيعود، أو التي تبين السخافة التي وصل لها المتابعون لبرنامج (الوادي) حيث يعيشون مع الممثلين من لحظة استيقاظهم إلى لحظة النوم، هذا ما تستغرق فيه أمتنا العربية، بحيث لا تجد الوقت لمتابعة القضايا الهامة كقضايا قتل الشيعة على الجسر ببغداد، أو التفجيرات التي تحصل في (الحسينيات) والمساجد الشيعية وبيوتهم.
- من يعيش في المعتقل ؟ !
نحن... وليس (سمير القنطار أو يحيى سكاف)، إنهما وكل معتقلٍ شريفٍ في سجون العدو أحرارٌ، لأنهم تحرروا من الغزو الفكري، عرفوا عدوهم وسلاحه؛ لذا فهم يقاتلون رغم القيد، ولكننا نُطوق بقيود أثقل.
- إنها الحياة، والحياةُ حلوة:
عشْ حياتك، التحقْ بالركب، أدرسْ بجد، تخرجْ وأعملْ، تزوجْ وعشْ سعيداً، ولكن ليكن للقضايا الهامة التي تمس المسلمين -وكونك منهم– ليكن لها وقتاً في يومك الحافل، الذي تقضي بعضه في التدخين أو الحديث على الجوال، أو السير بلا هدف، أو تقضين أنتِ بعضه على شاشةٍ تخلي ما الضمير من رقابة، أو الثرثرة بلا طائل.
ليكن لنا هدفٌ أسمى، أن نتحرر من الأسر الذي يقيدنا به العدو، أن نعرف كيف غدا الأخ لا يهتم لما يجري لأخيه الساكن معه في الدار، فكيف بمن يُقتل في بلاد أخرى؟!، أن نعرف أننا نعيش اليأس من العيش الكريم؛ لأننا من نسجن أنفسنا حقيقةً بقضايا لا أهمية لها، كيف ندّعي نصرة الإمام الحجة -عجل الله فرجه الشريف- بينما نحن لا ندرك أي شيء يخص الإسلام والدوائر التي تحيط به؟! كيف نطلب الفرج ونحن نبعد أنفسنا عن مفاتحيه؟؛ بل ونبعد أبنائنا عن معرفة الإمام بجعلهم أسرى (للبلاي ستيشن) والقنوات الفاسدة للعقول؟!.. من أعد أبنائه لنصرة الإمام حقاً؟!.. إنهم القلة!.
يحتاج الكل هنا -ممن يعيش على هذه الأرض الطيبة- أن ينتبه ويدرك القضايا الإسلامية، نحن لا نستطيع أن نجاهد العدو في الدول المحتلة، لكننا لدينا فكر... لنفكر كيف غزانا العدو ومن هو في الحقيقة؟ وكيف نتحرر ونحرر أبنائنا من قيوده ونفك أصرنا لنتحرر من السجن الكبير؟.