الدفاع عن المجرمين حضارة أم جريمة؟
لقد كان سجل الانقلابات السياسية في التاريخ العربي مليئا بالفظائع الدموية والتصفيات الجسدية، وما قام به الرئيس السابق للعراق صدام حسين عندما استلم الحكم في العراق من تصفية المخالفين له، وقتل من يشك في ولائه وتدمير المدن والقرى وتنشيف الأنهار وقتل الزرع والضرع، إلا دليل واضح على ذلك، وكما هو معروف كما تدين تدان لقد كان من المتوقع أن يعاد السيناريو الدموي في العراق، وان يشرب صدام من نفس الكأس الذي سقى الآخرين منه، ولكن من الألطاف تم القبض على صدام حيا في حفرة..، وكدليل على مرحلة التغيير في العراق لم يتم تصفية صدام في الظلام أو بمحكمة عسكرية أو شعبية، وإنما أقيمت له وأعوانه محاكمة علنية تبث لقطات منها على الفضائيات لكي يسمع العالم ما اقترفه صدام بحق شعبه وجيرانه، وان يسمح له بالتحدث والاعتراض، وان يحضر أكثر من محامي من عدة جنسيات للدافع عنه.
الكل يبحث عن الحقيقة وعن العدالة وما دور المحاكم والقضاة والمحامين إلا الكشف عن الحقيقة وتطبيق العدالة، وما دور المحامي الذي يعمل بإنسانية وشرف وأخلاقيات المهنة إلا المساعدة في تطبيق العدالة والدفاع عن الأبرياء، بعيدا عن الربح والخسارة.
وعلى رغم الاختلاف على أهمية وجود محكمة للرئيس المخلوع صدام حسين من قبل أطراف معينة من الشعب العراقي الجريح التي ترى انه مجرم ويجب تطبيق حكم الإعدام فيه فورا. إلا أن الحكومة العراقية وشريحة من الشعب وافقت على المحكمة، وفي ذلك شجاعة ونصرة للعدالة على الرغم من إيمانهم الكامل بثبوت التهم عليه لوجود الأدلة الدمغة والمؤكدة.
ولقد تبرع عدد من المحامين منهم وزراء عدل سابقين من عدة دول ومنها العربية للدفاع عن صدام، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل رفع هولاء وقبل الشروع بالمحكمة راية عدم شرعية المحكمة والقضاة، مؤكدين بان صدام حسين بريء من التهم!
البعض يتساءل هل مشاركة هولاء المحامين نابعة من قرار شخصي أو حكومي أو شعبي، وهل تقبل احد الدول العربية أو غيرها التي تحاكم معارضها ومن يخالف أنظمتها ومن يرتكب جريمة أن يتبرع احد المحامين من الدول الأخرى للدفاع عن هولاء المجرمين!
وعلى سبيل المثال هل تقبل الحكومة الأردنية والشعب الأردني أن يقوم مجموعة محامين من العراق بالتقدم للدفاع عن الانتحارية العراقية ساجدة وعن المجموعة التي تنتمي إليها؟!
لماذا الحماس المفرط من قبل المحامين العرب للدفاع عن صدام حسين وزمرته؟ وهل حضورهم هو تكملة لدور المحكمة واثبات العدالة، وهل لديهم الروح الرياضية لتقبل الحكم؟
أم أنهم يتوقعون بان صدام وأعوانه أبرياء حقا؟
وإذا كان هولاء المحامون حريصين جدا على تطبيق العدالة الإنسانية والدفاع عن أبناء العروبة فأين هم عن الفلسطينيين الذين يحاكمون من قبل إسرائيل، ولماذا لم يعترض هولاء على صدام على ما كان يفعله بشعبه، ومع اقرب الناس إليه، وبأبناء الكويت وإيران؟ ولماذا لم يطالبوا سيادته أن يجعل لهم محاكمة عادلة أو صورية، وان يرسلوا محامين للدفاع عنهم؟
هل كانت ضمائر هولاء في إجازة طويلة لم تفيق إلا عندما أصبح صدام في قفص الاتهام؟
لا يمكن لأحد يملك قلبا ينبض بحب الإنسانية والخير والعدل أن ينكر حدوث جرائم إنسانية بشعة من قبل النظام السابق في العراق، وان تلك الجرائم يقف خلفها مجرمون يجب محاسبتهم ومعاقبتهم بعدالة.
فالدفاع في المحاكم أمر حضاري إذا كان لأجل تطبيق العدالة، وجريمة إذا كان الهدف الأساسي تبرئة مجرم بأي طريقة كانت في ظل وجود الدليل القاطع لجريمته.