لكي نعيش أبداً
احلى ما في عمر المرأة عندما تكبر الايام فيها، بحثها عن زوجة لابنها!
ترى الواحدة فينا تضع قائمة بخصوصيات ومميزات (الكنة) المنتظرة والتي تتمحور في العيون الملونة والشعر الاصفر الطويل والقامة الهيفاء والبشرة البيضاء و... أضف الى ذلك الحسب والنسب والمال و..!
وعندما تدخل العروس بيت الزوجية، وتبدأ المرحلة التنفيذية في حياتها مع العائلة الجديدة، تنقلب نظرة العمة الكبيرة وتبدأ بتوقعات جديدة تنصب في مدى نظافة العروس واستعدادها للعمل والتضحية في سبيل البيت الكبير، اخلاقها في تعاملها مع افراد العائلة الجديدة، حبها للعمة وطاعتها وقائمة عريضة طويلة من التوقعات الاخلاقية والاجتماعية التي غاب عن الام الكبيرة ان تدرجها في قائمة طلباتها الاولية عندما كانت تبحث عن (كنتها)!
وعندها تحدث الطامة الكبرى، وتنشق عصا الطاعة... ويسقط الرجل (الابن) المسكين في دوامة تباين قوائم التوقعات مابين المعسكرين!!
ياترى لماذا يحدث هذا؟
لماذا يضيق الافق عند الاختيار. فلا نرى ابعد من أنوفنا؟!
ولماذا تتحكم بنا بعض الاندفاعات الآنية، والاهواء الوقتية والمصالح الشخصية في تحديد اختياراتنا المصيرية؟!
الحديث الموروث الذي سمعناه كثيرا: (عش لاخرتك كأنك تموت غدا، وعش لدنياك كأنك تعيش ابدا) يستوقفني كثيرا لاتساءل دوما: كيف يمكن الجمع بين الغد والابد؟!
اظن بان الامر يمكن في عمق العيش نفسه، ذلك العمق المتنوع في ماهية الغد والابد.
فلاجل ان ابدع في عملي واخلص في مواقفي لابد ان استحضر الوجود الالهي، ذلك الوجود الذي يدفعني ايضا الى الاخلاص والابداع في العمل والذي يقود بالضرورة الى البناء المتين والاعمار المحكم والعمل المستمر كأنما اخلد الزمن في بنائي واعماري وعملي لاني سأعيش الى الابد.
انها دعوة الى البناء المخلص على مختلف الاصعدة، فانا لا ابني ليومي وغدي فقط انما اؤسس لعمل خالد، للمستقبل، للاجيال القادمة، للتاريخ. فلابد ان يكون عملي محكم ومتين وخالد حتى اتمكن من العيش الى الابد ... واصل الى الخلود.
واول خطوة في درب الخلود اللاحب، هو الارادة الواعية. الارادة القادرة على الاختيار الاصح والانسب في الزمن الاصعب.
عندما تختار الام الكبيرة (كنتها) يكون الاختيار في دائرة شخصية، ويترتب على اختيارها مصير افراد معينين. ولكن عندما يختار الشعب الكبير (مستقبله) و(تاريخه) فان لهذا الاختيار حسابات اخرى، وعليه ان يؤسس لاختياره بوعي وبصيرة نافذة لانه الخطوة الاولى نحو الخلود... خلود امة من الناس تكالبت عليها الامم الاخرى من كل الانحاْء لتقتل الانسانية في وجودها، وتقهر الوجود في بشريتها.