عيب خلقي !
إن للكلمة التي تخرج من ثغورنا مسؤوليتها، فما من كلمة ينطق بها اللسان إلا ويسجلها الملكان ولكن لما لا يكترث الإنسان !
فربما كلمات قصار تجرك نحو طريق سوء الظن بالله الواحد الأحد.. ولا تدعك تتأمل في بديع صنعه..
أذكر هذه القضية التي حدثت أثناء إحدى محاضراتنا الجامعية، كان الدرس عن الطيور Aves.. وعندما وصلنا إلى الجهاز الدوري ( Aves Cardiovascular system ) ذكرت الدكتورة إن الجهاز الدوري لديهم أصبح جهاز مغلق يتكون من أربع غرف (four Champers ) أذين أيمن وأذين أيسر (right atrium and left atrium) وبطينين ، بطين أيمن وبطين أيسر (right ventricle and left ventricle) .. وليتمكن الطلبة من استيعاب الدرس دعمت _ الدكتورة _الشرح برسم توضيحي قامت برسمه على السبورة.. ثم وجهت استفسارها إلينا قائلة ( ماذا تلاحظون ) ؟
الجميع لاحظت عيناه أن الأذين الأيسر اكبر حجماً من الأيمن .. وهي الملاحظة ذاتها المنشودة من قبلها . أخبرها الطلبة بالملاحظة .. فقالت نعم وطبعاً هذا عيب خلقي !!
لم يستطع عقلي تقبل تحليلها، فالذي أعرفه أن العيب الخلقي يكون في فئة قليلة من الطائفة لا أشملها.. أيعقل عيب خلقي في كافة الطيور ؟
يستحيل ذلك فخالقها الخالق القادر .. المدبر.. الحكيم .. فلابد من حكمة من وراء هذا التركيب الغير متجانس ( ولله في خلقه شؤون) ..
فقد تكمن حكمته في خلقه هذا التركيب هي اختلاف الوظيفة لكل جزء ، فإذا جئنا للبطين الأيمن نرى أن وظيفته لا تتعدى نقل الدم الغير مؤكسج للرئة ، والرئة تقع على مقربة منه .. أما نظيره الأيسر فمهمة إيصال الدم المؤكسج إلى كافة أنحاء الجسم موكله إليه وهذه المهمة تحتاج إلى جهد عضلي أكثر من الأولى .
أليس هذا التحليل أكثر منطقية .. ويدل على عظمة خلق الله تبارك وتعالى وبديع صنعه ؟
فكرت أن استوقفها واطرح تحليلي على مسامع الجميع .. إلا أن عدم وجود الدليل والبرهان لدي منعني من خوض أية مناقشات معها .. فلا مناقشة من دون برهان .. على الرغم من اقتناعي التام بخطأ ما قالته .. إلا أنني لا املك الدليل على صحة تفكيري .. يقول الإمام الباقر عليه السلام: "ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم ... )، وعندما عدتً للمنزل بحثت في بعض الموسوعات والكتب الأجنبية ذات الصلة .. وتيقنت من صحة ذلك التفكير الذي راودني أثناء المحاضرة ..
صحيح أن هذه المراجع مؤلفيها بعيدون كل البعد عن الله تبارك وتعالى فلا يعترفون بتوحيد الله وربوبيته .. ولكنهم عندما وصلوا لهذا الأمر كان تفسيرهم منطقياً و به تأمل لإبداع الخالق المصور من حيث لا يشعرون .. وبعض أهل الإسلام عندما يستعصى عليهم أمرا يقولون عيب خلقي .. ويعلقون تعليقات لا تليق بالله تبارك وتعالى وعظمته .
قال تعالى :﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ سورة الأسراء آية (36) .
يفسر المفسرون هذه الآية بنهيه عز وجل عن إتباع ما لا علم لنا به ، فلا القول المضنون والمشكوك يصح لنا أن نطلق قولنا فيه .
ولكن يبقى بني آدم يطلق الكلمات والأحكام التي لا علم له بها . وهنا قد يصح لنا القول بأن هؤلاء البشر مصابين بالعيب التفكيري لا العيب الخلقي كما عبرت الدكتورة الفاضلة عن خلق الباري العظيم .