ثقافة العطاء
الناس صنفان، فهناك من يعيش ليأخذ، وهناك من يعيش ليعطي. وبون شاسع بين الاثنين؛ فالعطاء سمة من سمات الأنبياء والأولياء، سمة من سمات أولئك الذين تحدث عنهم القرآن الكريم بقوله: ﴿ويطعمون الطعام على حبه، مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نُطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً﴾ [الإنسان: 8 – 9] .
بينما الأخذ سمة من سمات الكسالى والضعفاء.. بل حتى المحتالين!! سمة من سمات أولئك الذين تحدث عنهم القرآن بقوله: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم﴾ [التوبة: 34].
ومما يؤسف له أن الكثيرين يعيشون ثقافة الأخذ، بدلاً من ثقافة العطاء، فنجد الواحد منهم معتمداً على الآخرين في الغالب من أموره، حتى بالنسبة للأشياء البسيطة التي باستطاعته القيام بها، وما كان لذلك أن يكون إلاّ من خلال الثقافة السائدة في الأوساط الاجتماعية، فالإنسان نتاج بيئته.
مقصودنا بالأخذ هنا ليس أخذ الفقير لما يحتاج إليه من مالٍ عند الحاجة أو السائل الذي قد لا يجد شيئاً يسد به جوعه… إلخ. بل مقصودنا به أخذ المتمكن، الذي يطمع في المزيد وبأي صورة كانت.
وللتمثيل نقول: قد تجد إنساناً يمتلك مالاً ولكنه ما إن يسمع عن مشروع معين يهدف إلى تقديم المساعدة والعون لأهل الحاجة، إلاّ وتجده من أوائل المتقدمين، مدعياً الفقر والعوز! وهو بذلك قد يحرم غيره من أبناء المجتمع الذين هم بأمس الحاجة لما أخذ.
ومثال آخر: ذلك الشخص الذي لا هم له إلا جمع وكنز الأموال، ذلك الشخص الذي لا يفكر إلا في نفسه وعائلته متناسياً المحتاجين أينما كانوا، متناسياً قوله تعالى: ﴿وفي أموالهم حقُُ للسائلِ والمحروم﴾ [الذاريات:19] .
أجل، هناك من أكل من خيرات بلده وشرب منها حتى الثمالة، ولكنه بعد أن شبع لم يدر طرفه لمن يستحق مساعدته وهذا هو النكران بذاته، فهذا الصنف من الناس لو أُعطي الدنيا بما فيها لم يقنع؛ لأنه تربى على الأخذ فقط ولم يتربَ على العطاء، ولم يتقن أبجدياته البسيطة، التي منها قول رسول الله : "اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".
فإلى هذا الصنف الذي تربى على البخل، وهو من أرذل الأخلاق، نقول ما قاله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم، بل هو شرٌ لهم، سيُطوقون ما بخلوا به يوم القيامة﴾[آل عمران:180] .
فالمؤمنون حقاً هم أولئك: ﴿الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون﴾[الأنفال: 3] .
ولا يفوتني هنا أن أنتهز هذه الفرصة؛ لأسألك -عزيزي القارئ- من أي الأصناف أنت؟ فهل أنت من أهل الكرم والعطاء، أم من أهل البخل والجفاء؟
وحاول أن تجيب على هذا السؤال بنفسك، فإن كنت من الصنف الأول فحديثنا ليس موجهاً لك إلاّ من باب (فذّكر)، وإن كنت من الصنف الآخر؛ فحديثنا لك علك تبادر بالانضمام إلى هذا النادي، نادي الكرماء الذين يجودون بما أنعم الله عليهم، لتبذل ما في وسعك من أجل مساعدة الفقراء والمحتاجين وكل من هو صاحب حاجة، "ولا تستحِ من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه" كما جاء في الأثر.
ولا تنسَ وأنت تعطي الناس، أن تتذكر مقولة الشاعر في شأن العطاء:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طُراً قـبل أن تتفلت
فلا الجود مُفنيها إذا هـي أقبلت ولا البخل مُبقيها إذا هي ولـت
فثقافة العطاء، تعني بحث الإنسان الدائم عن ذوي الحاجة لمساعدتهم وقضاء حوائجهم، إذ إن العطاء قد يكون بما يملك الإنسان من مالٍ، وقد يكون بما يملك من جهدٍ ووقتٍ وعلمٍ و… لمساعدة المحتاج أياً كانت حاجته.
فقد تجد إنساناً يعيش حالةً من الضجر والقلق والوحدة، فبإمكانك أن تعطيه شيئاً من وقتك لتسليته والترويح عنه، وقد تجد من يحتاج لمساعدتك في شأنٍ من شؤون الدراسة فتعطيه من علمك، وقد تجد مِن حولك أُسراً تحتاج لمن ينفق عليها، فلا تترد في ذلك، إما بشكل فردي أو عن طريق اشتراكك في الجمعيات والمؤسسات الخيرية بما تمل من مال، أو مشاركتك بجهدك ووقتك، من خلال انخراطك في صفوف المتطوعين الذين ينشدون الخير والصلاح لأبناء مجتمعاتهم.
أخيراً، كن معطاءً، ومارس ثقافة العطاء.