في غياهب العصر

هم فئة غضة تعقد عليها آمال المستقبل، يرسمون خريطة المجتمع تقدماً وتطوراً، وهم جيل يحمل كل مقومات النجاح من تطلع، ومسئولية، وفاعلية، وهمة عالية، وتفكير حضاري. هم فئة الشباب ولا غير الشباب وبناءً عليه نتطلع نحو هذه الفئة بتفاؤل ونتأمل منها الكثير ليكملوامسيرة من سبقوهم..

 مرحلة الشباب:

تعتبر مرحلة الشباب هي أفضل مرحلة للتعلم وكسب المعرفة، يقول الرسول : «من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر, ومن تعلم وهو كبير كان بمنزلة الكتابة في الماء». وكذلك هي أفضل المراحل للانتماء إلى كيان ما كما يعبر عن ذلك الشيخ حسن الصفار بقوله: «في مرحلة الشباب, يكون الشعور بالحاجة إلى الانتماء لكيان ما, أكثر منه في أي مرحلة أخرى لأن الانتماء يشكل مدخلا إلى ساحة القوة والتأثير في المعادلة الاجتماعية»، ولكي يستفيد المجتمع من هذه الفئة يجب التعامل معها بشكل جيد لأنها مرحلة غاية في الأهمية وعلى المربي سواء كان أباً أو أماً أو معلماً أو... أن يدرك أهمية مسؤوليته.، ويكون على علم بطبيعة تلك المرحلة وما فيها من قوة وصلابة يمكن استخدامهما بشكل يعود بالنفع على الشاب وبالتالي على من حوله في المجتمع.

ولا يخفى علينا جميعاً إن سلوك الشباب يختلف عن سلوك الكبار فلابد إن يتعلم الكبار كيفية التعامل معهم؟ وأي طريق يسلكون للدخول في عالمهم؟

فالإمام علي  يقول: «لا تقصروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم». حيث يؤكد  على نوعية المعاملة مع الشباب فلا تكون متجذرة من الماضي ولا ممتدة من حياتهم السابقة، فكل زمان ظروفه وواقع شبابنا تغير حيث اختلف كل شيء مثل العادات والتقاليد فليس لازماً عليهم أن يعيشوا عيشة الآباء فالوضع تغير ولا بد من تغيير أسلوب الحوار معهم وإلا فلا معنى أن تتغير مظاهر الحياة ولا نغير أساليب حوارنا مع الشباب.

 ومع ذلك يبقى سؤال عالق في ذهني:

• ما مدى تأثر الشباب بما مضى من سلفه الصالح؟

فهناك مجتمعات ترغب في الماضي وترى فيه الصورة الجميلة خصوصا ً لمن عاش الحرمان من متعة الأبوين أو حتى العلاقات العائلية التي شابها الكثير من التعكير بسبب السياسات الظالمة.

وليس محتوماً إن كان السلف صالحا ً أن يكون خلفه مثله صالحاً، فلربما العكس في الصورتين وهناك عشرات الشواهد.. في صلاح الأبوين وفساد خلفهم أو العكس، فالأمر يختلف حسب متطلبات الحياة والظروف الاجتماعية والسياسية، ولكن الهاجس الوحيد والمخيف هو أن ّ الناس كانوا يعيشون حياة البساطة بلا تعقيدات العصر فحياتهم كانت جميلة وحلوة مع ما فيها من مرارة، ولكنها خالية من الكره والحقد إلا ّ ما ندر ولكل قاعدة شواذ. حتى في أوربا لم تجلب لهم الحضارة السعادة بما فيها من معان ٍ براقة، وهناك أمثلة كثيرة ربما نشير إليها في مقالات لاحقة.

ففي زمن مضى لم يشهد عالمنا التطور العلمي الهائل ولكن من سبقونا كانوا في راحة من هذه الحضارة التي رأيناها مقيتة النتائج بتعقيداتها.. صحيح أن العالم أصبح اليوم كما يعبر عنه قرية صغيرة لكن الحضارة لم تحل مشكلة يعيشها العالم أجمع.. وهي مشكلة المشكلات: الخوف من المجهول.. الأمراض بأشكالها الغريبة.. النزاعات والحروب الكونية المرتقبة.. ربما يعود المجتمع في أغلبه إلى الوحشية والانحطاط الأخلاقي كما تنبأ بذلك الدكتور الفرنسي الكسيس كارل في كتابه «الإنسان ذلك المجهول» والذي يقول في بعض جوانبه: «ومن ثم فأن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية.. فالبيئة التي ولدتها عقولنا وأختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا..

إننا قوم تعساء، لأننا ننحط أخلاقيا ً وعقليا ً.

إن الجماعات والا ُمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم هي على وجه الدقة، الجماعات والا ُمم الآخذة في الضعف والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها، ولكنها لا تدرك ذلك إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها».

 ومن هنا أصرخ بعلو صوتي:

بأننا يجب أن نبدأ من الصفر ونعالج الأمور التالية لنقول:

• من يتحمل سبب ترّدي الوضع الاجتماعي لهؤلاء الشباب؟
• من هم المسئولون عن هذا التردي؟
• ما هو دور البيت والعائلة في هذا المنزلق الخطير؟
• ما هو دور العلماء والمربين في المدارس عن هؤلاء الشباب؟
• ما هو دور المجتمع في توجيه هؤلاء الشباب؟
• ما هو دور الإعلام في هذا المجال؟
• هؤلاء الشباب يشعرون بفراغ قاتل.

 وهنا نتساءل:

• من كان سبب انحرافهم؟؟
• ما هو البديل الثقافي لجذب الشباب ومنعهم من الانحدار في هذا المنزلق والعقائد الفاسدة؟

هذه كلها مجرد فرضيات ولكننا لم نجد لها دراسة متعمقة لمتخصصين في علم النفس والاجتماع والتربية والاقتصاد والسياسة، ربما يتساءل البعض عن دور الاقتصاد والسياسة وعلم النفس والتربية في ذلك؟

أقول: لا يخلو انزلاق الشباب في هذا المنحدر من فراغ في أحد هذه الاصطلاحات التي ذكرت، قد تجد هذا الشاب يعاني من أزمة نفسية خانقة جعلت فكره عقيما ً لا يفقه شيئا ً مما حوله ولإبعاد شبح هذه الأزمة يسلك كافة السبل والوسائل للخروج مما هو فيه، فقبيل سن الخامسة عشر من العمر، يقبل الإنسان على مرحلة مهمة وخطيرة في حياته، هي مرحلة الشباب، والتي تستمر معه إلى عشرين أو خمس وعشرين سنة تقريبا.

• مرحلة الشباب لماذا هي مرحلة مهمة وخطيرة؟؟

  هي مرحلة مهمة:

لأنها تتحكم في مصير الأمة ومستقبلها، فهؤلاء الشباب الناشئون اليوم، هم بالتأكيد مجتمع الغد، وهذا الجيل الموجود حالياً، سيترك مكانه لهم بكل مناصبه وطبقاته.. فالعالم الديني اليوم بالتأكيد ليس هو عالم الدين للغد، حتما سيترك مكانه، وسيأتي شخص آخر من بين هؤلاء الأبناء الشباب ليحل محله.. وكذلك رئيس البلدية والحاكم والأمير والوزير والتاجر..

هذه هي طبيعة الحياة وهذا هو طريقها، يذهب أناس ويأتي بعدهم قوم آخرون.. هؤلاء الآخرون الذين سيستلمون أزمة المجتمع في المستقبل من هم؟؟

طبعاً هم شباب اليوم،هؤلاء الشباب الصغار الآن سيكونون غدا نواة المجتمع.. وقلبه، فإن صلح القلب صلحت باقي الجوارح وإن كان شبابنا اليوم صالحين ومستقيمين أمكننا أن نتفاءل بمستقبل جيد لأمتنا ومجتمعنا، أما إن لم يكونوا صالحين ولم يسيروا على الطريق المستقيم فهذا يعني أن المستقبل قد يكون سيئاً قاتماً...

 وكما يقول الشاعر:

 
يا شباب الإسلام يا أمـل الشعـب      وغـصــنــا يـلــفــه الاخــضـــرار
إن يك اليوم عذركـم صغـر سـن      فـغــدا أنــتــم الــرجــال الـكـبــار
سوف يمضي الجيل القديم رويدا      كـــلـــه أشــقــيــاؤه والــخــيـــار
وتكـونـون أنـتــم قـــادة الـعـصـر      فهـل فيكـم مــن يـصـح المـسـار

 وهي مرحله خطيرة:

لأن الشباب يعيش فيها وضعاً خاصاً من الناحية الجسمية والفكرية والاجتماعية.. هذا الوضع الخاص الذي يعيشه الشباب في مرحلة الشباب يؤثر كثيراً عليه وعلى مستقبل مجتمعه..

وهنا أتذكر كلاما ً لعميد المنبر الحسيني الشيخ الوائلي ـ طيب الله ثراه ــ يقول فيه: إن الحضارة والعلم لم يتمكنا أن يخلقا لنا إنسانا ً ولكن الحياة الروحية يمكنها أن تخلق إنسانا.. ولهذا معنى عميق جدا ً.

وإلى ذلك يشير الدكتور ـ كارل حيث يقول في مكان آخر:

يجب أن نصرف حب استطلاعنا عن سبيله الحاضر ونوجهه في اتجاه آخر. يجب أن ننصرف عن الأبحاث الطبيعية والفسيولوجية لنتـتبع الأبحاث العقلية والروحية...أنهمك العلماء انهماكا ً شديدا ً في النواحي العضوية والأخلاط والجانب العقلي للإنسان، ولكنهم لم يقفوا أي قدر كبير من الاهتمام لتكوينه العقلي المؤثر، وحياته الداخلية ومطالبه الدينية والعلاقات الوثيقة بين وجوه النشاط العضوي والفسيولوجي والعلاقات الوثيقة يين الفرد وبنيته العقلية والروحية...

• فمتى نجد إنساناً حقيقياً بروحه قبل عقله؟؟
• متى نرى مجتمعاتنا صالحة بصلاح شبابها؟
• متى نرى شباباً نعقد عليها آمال المستقبل؟

نأمل الخير.. وبأن نراه واقعاً أمامناً، وإلى أن يحين ذلك ألقيت عليكم كلمتي هذه مع الانتظار للخير والفجر القادم الجميل.