الارتباط بالذات

مفيد صالح *

بالتأكيد هناك العديد ممن يرتبط بالمكان مثلي، فأنا لو جلست في مكان محدد في غرفتي للقراءة أو للكتابة، لا يمكن أن انسجم في مقعد آخر بأي حال من الأحوال، فمكاني هو ذاته في نفس المقعد، ونفس الركن، ونفس الزاوية، ويتكرر نفس الشيء في جميع الامكنة المعتادة عندما أتناول طعامي، وفي جلستي داخل السيارة، وفي أي مكان أزوره باستمرار، إذ لا يمكنني أن استمتع وارتاح لو جلست في مكان آخر غير الذي اعتدت عليه.

فكرت كثيراً أن اعرف سبب تمسكي وممارستي لهذه العادة، وحاولت مرارًا أن أغيرها، لكن من دون جدوى!، فأنا أحيا من خلال تلك الممارسات بكل مكوناتها، وأهيئ لنفسي الجو الملائم مما يساعدني على زيادة عطائي على المستوى الاجتماعي والذهني، وأي تغير يؤدي بي إلى تفاعل لاشعوري غير مرئي وغير محسوس ينتج عنه عدم راحتي وقلقي وتعكير مزاجي، ووجدت أن ارتباطي الوثيق لا اشعر به فقط تجاه المكان، لكني أحسه وألمسه في تعاملي مع الناس.

أعود وأتحدث عن ارتباط قوي ومهم جداً في حياتنا، وهو الارتباط بالذات، وعن مدى علاقتنا بأنفسنا، وكيف نتعامل معها، فذلك من الأمور الأساسية والمهمة التي غالباً ما ننساها في مشوار حياتنا، لأننا دائماً نفكر كيف نتعامل مع الغير في منزلنا ومكاتبنا ومع أصدقائنا وجيراننا وننسى في النهاية أهم كائن لدينا من يعيش معنا ويلازمنا طوال الوقت ولا نفترق عنه، إلاّ إذا غادرنا الحياة وهي نفوسنا التي تعيش بداخلنا ومعنا وتشاركنا قراراتنا وأفراحنا وأحزاننا، لا بد أن ننظر إليها نظرة متفائلة ونتعامل معها بحب وإنصاف وأول طريق لتقوية هذه الرابطة تبدأ بأن نحب ذاتنا، وليس المقصود هو الحب الأناني الذي يصل الى النرجسية، لكن يكون بداية بالنقد البنّاء والصريح معها حتى نصل بها إلى حالة من الرضا والقناعة، ولن نحقق ذاتنا إلاّ من خلال بذل الجهد، فلا يمكن أن أرضى عن نفسي وأنا أظلِم وأقهر وأدوس بقدمي على أكتاف غيري لأرتفع للأعلى، ولا يمكن أن أرضى عن نفسي وأنا استخدم أساليب ملتوية واحتال بوسائل رخيصة لأصل إلى أهدافي وأحقق طموحاتي. وردفي الحديث «ضع أمر أخيك على أحسنه»[1] .

علينا أن نواجهها عندما نخاف، لأن الخوف الداخلي عدو الذات الأول، الذي يأتي نتيجة نوم الضمير. ومع الأسف، فإن العلاقات بين البشر تحولت إلى علاقات مركبة من الخوف حتى اصبح هو العامل الرئيسي المسيطر والمتحكم في تعاملنا في الحقوق التي لنا، أو الواجبات التي علينا، سواء في الزواج أو الصداقة أو الزمالة، أو حتى في الجيرة.

فلننظر بصدق إلى رأينا في أنفسنا وما كوّناه عنها، هل نحن، حقيقة، نرتبط ارتباطاً جذرياً وعميقا بذاتنا،أم هي مجرد أمور مسلّم بها في أعماقنا؟

 علينا أن نراجع مخزون ذكرياتنا وما نملكه من رصيد في عقلنا الباطن، ونبدأ نحذف ونعرض ونثبت ما شئنا من مشاعر وأفكار وصور وواقع في الماضي أو الحاضر، ولو واجهنا أنفسنا بكل تجرد ستفزعنا معرفة حقيقتنا، كما يفزع الضوء القوي عينين تعودتا الظلام، لأننا دائماً ندافع عن أفكارنا اذا هوجمت لمجرد أنها أفكارنا، ولم نعترف يوماً بأخطائنا أو على الأقل بمجاملتنا لأنفسنا، لأن كل ما يهمنا هو الارتباط والتمسك باللحظة التي نعيشها من دون التفكير بالظروف التي تحيط بنا أو ما يترتب عليها من نتائج قد تكون سلبية، ونتوهم بأن السعادة ما هي إلاّ لحظة تهبط علينا ولا بد ألاّ نتركها تمر بسلام من دون أن نستمتع بها بكل صدق ونهمس لأنفسنا بأن «الغاية تبرر الوسيلة»، وعندما نقع، نقوم بالسيناريو المعتاد بالرثاء على حالنا وحظنا العاثر وظروفنا السيئة!

وحتى نرضى عن أنفسنا وعن كل تصرفاتنا وأفعالنا، علينا أن نتقرب أكثر من ربّ العباد، ونطلب منه ونتوسل إليه أن يمنحنا الحق ويجنبنا الباطل، وألا يجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا.

«اللهم أنت سندي واطمئناني وايماني واعتقادي»[2] ، وأن نجعل من محمد وآل محمد قدوة لنا، لأنهم  هم الذات

[1] الكافي «أصول»: ج2، ص362، ح3.
[2] الارشاد، ج2، ص96.
القطيف - طالب دراسات عليه بجامعة الملك سعود
قسم الكيمياء الحيويه