طُرق بابك يا سماء فافتحي
ما أطول أنفاس هذا الليل وما أكثف صمته على نفسك.. لا زالت الأحداث الأليمة التي عانيت منها تؤرقك.. وفاة عمك وناصرك، وزوجك التي احتوت قضيتك ورسالتك, وأحداث الطائف وما حملته من إيذاء قوم ثقيف وصغارهم لك.
كنت راقداً حين استعرضت كل هذا والحوادث الماضية تتحرك في أجزاء نفسك الكريمة لتملأها بالحزن إذ مر جبريل بأنامله السحرية على صدرك لينبهك..
قم يا محمد.. انهض فهذا وقت اللقاء.. قم واطرق الأبواب السبع للسماء.. قم واعرج إلى ملكوت الرحمن.. قم يا محمد فهذه ليلة المعراج، هذه ليلة اللقاء الإلهي، فالسماء ستفتح لك أبوابها، وستستقبلك الملائكة، وتحتفي بك، فقد طال اشتياقها إليك، وستملأ صلواتك حين تصلي بهم أنفاسها بعبق الرسالة وشذاها.. قم يا محمد.. فقد خصصت بمنزلة لم يرقى إليها نبي ولا وصي ولا ملك مقرب.
وحين أخذك الروح إلى البراق قفزت إليك هي مستبشرة لتستريح على ظهرها بعد أن أنبأها جبريل عنك فتلاشى خوفها عندما اطمأنت بحسن دعائك لها وضمان الجنة.. طفت معه بألف مدينة وبألف ملك وقومك لمحتهم في رحلتك عائدون من قافلتهم فسلمت عليهم وكادوا يجزمون أنهم سمعوا صوتك.. والى السماء صعدت معه..
طُرق بابك يا سماء فافتحي..
جاء الحبيب إليك فانتشي.. نبي خص من الأولين والآخرين بمحبة الإله فافتحي..
طرق بابك يا سماء فافتحي.. ما أطيب أنفاسك به وما أبهج الأملاك بوجوده.. طرق بابك يا سماء فافتحي واستقبلي رسول الله يا أملاك بمن معك من أنبياء ورسل.. آدم، عيسى ويحيى، يوسف، إدريس، هارون، موسى وإبراهيم مستندا إلى البيت المعمور.. أزالت رؤيتك لهم سحب الهموم من نفسك فجددت عزيمتك بعد ما لاقيته من عناد قومك.. شدوا على يديك «يا محمد» ليخبروك بأن المستقبل لأمتك وليُعَّرِفُكَ المولى -وهو بك أرأف- بأن الأرض إذا ضاقت بك فأبواب السماء ستستقبلك وتفتح مصراعيها لك.
رسمت خطوط رحلتك الشريفة أحداثاً بقيت علامة مميزة وشاهداً في قلب التاريخ بكل عصوره ومدارسه فصار معراجك معجزة لأمة احتاجت لتغيير كامل بعد أن توالت عثراتها فوق صفحات التاريخ.
وطافت بك هذه الرحلة بين السماء والأرض لتكشف حقيقة العالم المحجوب وتكون فيها أنت الرقيب على الأمة.. لقد دونت رحلتك حقائق وآيات لن يعبرها الزمن إلا ليقف عليها شاهدا بعد أن برهن العلم الحديث عن صحتها كما بقيت أسرارها تثير في الأذهان الكثير من الأسئلة التي توصل في النهاية إلى الاعتراف بالعجز أمام قدرة الله تعالى.. ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[1] .
قصص آيات عبر، جنة ونار، أقوام تلحق بأقوام، وقضايا تحتاج للتأمل، دعاء القدح معلق في ساق العرش وهذا مالك ورضوان يكشفان لك عن خزائنهما، ويقص لك عزرائيل ما أضحكه وما أبكاه من أمر الخلق، وإسرافيل وميكائيل، ولقاء المولى قاب قوسين أو أدنى وسدرة المنتهى.. وخطواتك تتقدم بينما يقف جبرائيل مكانه رغم ما له من قدر عند الله معتذرا عن مرافقتك إلى منزلة خصصت بها وحدك دون سائر العالمين.
وهنا حيث تخشع النفس ويسكن الفؤاد يتردد صوت الوحي داخلك لحظة اللقاء.. صلي يا محمد.. صلي فالإله سيصلي عليك إلى يوم الدين.. صلي فصلاتك سكن لهذه الأمة المصطفاة بك ورحمة لها.
وحين بدأت تخشع في حضرة القدس كانت خطواتك تقترب من النصر وكانت آفاق الكون كلها تصلي معك فتزول سحب الأحزان من نفسك.