الصديق من صدق
الإنسان اجتماعي بطبعه هكذا قالوا علماء الاجتماع - وكل من يشعر بالوحدة في يوم ما حتماً سيقول بذلك. ومن هذا الباب سنتطرق في هذه العجالة لموضوع الصداقة وإن كان موضوع واسع ومتشعب ولو أردنا الكتابة فيه فأن هذه الوريقات لا أظن أنها كافية ولأتفِ بالموضوع فهناك الصفات التي يجب توفرها في الصديق وحقوق الأصدقاء ومن هو الصديق الحقيقي وكيف تكسب الأصدقاء وما هنالك من توسع في الموضوع، ولذلك رمنا الاختصار على نقاط معينة ومحدودة تنحصر في أهمية الصداقة ومن هو الصديق المختار ومن لا أصادقه وبعض النقاط في حقوق الأصدقاء.
فالصداقة من الأسس التي يسعى الفرد لتحصيلها دائماً وربما يتفاخر بها أحياناً عندما يستطيع أن يجمع أكبر عدد من الأصدقاء. لأنه يعدهم نواة حياته وعمادها ولايمكن أن يعيش على الأقل حياة طبيعية من دونهم.
- يقول الإمام الشافعي فيما ينسب إليه:
|
وهنا تكمن أهمية الصداقة فإن المرء ليس له غنى عن أخ، يشكو له هم الدنيا ويفرج عنه كربه ويجلي عنه همه - قال رجل عند الإمام الباقر اللهم أغننا عن جميع خلقك. فقال أبو جعفر لاتقل هكذا ولكن قل: اللهم أغننا عن شرار خلقك فإن المؤمن لايستغني عن أخيه»[2] .
نعم فإن الصداقة مهمة ونافعة، ولانتصور أن منفعتها محدودة بالمنافع الدنيوية فحسب بل تتعدى إلى منافع آخروية، وإن كان ذلك مشروطاً بإيمان الصديق وتقواه يقول الإمام الصادق «أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة. أما الدنيا فحوائج يقومون بها وأما الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: فما لنا من شافعين ولاصديق حميم»[3] .
وهكذا نعلم أن أهمية الصداقة ليست محصورة في مصالح مادية ودنيوية ويجب أن لانتخذ الأصدقاء فقط من أجل هذا الباب.
فهي أكثر أهمية من أن أتخذ صديقاً من أجل أن أحصل منه على هذا الشيء المعين أو ذاك ثم أتركه بعد حصولي عليه وكأن شيء لم يكن - لأن الصداقة لاتعني الحصول على ذلك الشيء وإنما تبادل الود والمحبة في القلب.
ونبقى في أهمية الصداقة - فالصداقة مهمة إلى درجة أن تكون أعلى حتى من العلاقة مع الأقارب والأهل أحياناً - فأنت قد تبوح بأسرارك وخصوصياتك إلى صديقك ولكن قد تخجل أن تبيح بها لأبيك مثلاً !!. فيكون صديقك الوفي موضع كتمان سرك الذي تنفس به عن همك لا لأحد آخر.
وعليه تتضح أهمية الصداقة ولماذا لايمكن لأحد أن يعيش بلا أصدقاء. فهم المتنفس وهم الوجه الآخر للمرء وهم من يفرج همي وحزني في كثير من الأحيان.
ولكن متى يكون الصديق كذلك؟ هل كل الأصدقاء يكونون هكذا لأصدقائهم.. أم ماذا؟
يجب أولاً قبل أن أتخذ صديقاً أن أعرف هل هو من هذا النموذج أم لا؟. وبما يتصف به صاحب هذا النموذج حتى استطيع أن أتخذه خلاً وصاحباً. بمعنى عليّّّ أن أختار الصديق قبل أن أصاحبه وأكون العلاقة معه... لماذا؟
لأنه وبحكم علاقتي معه ستنسبني الناس له - فأن صاحبت خيّراً تقيّاً ستنظر الناس لي على هذا الاعتبار والعكس، يقول تعالى في محكم كتابه«الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين»[4] - ولهذا يشير الأمير في البيت المنسوب له حيث يقول:
|
لعل كل ذي ُلبٍ وفطنة يعلم من يختار ولعله ليس هناك كلفة في الاختيار - فكل احد لو سألته من تختار عندما تريد صديقاً من المسلم به سيقول اختار التقي العاقل الذكي إلى غير ذلك من الصفات التي يجب توفرها في الصاحب والصديق. وهذا الكلام عين الصواب لما لذلك من وصايا للرسول الأعظم وأهل بيته .
فمن الصفات التي يجب توافرها في الصديق حتى يكون ممن يقع عليهم الاختيار - وهي من أهم الصفات «الصدق»، - فقد قالوا في الحكمة «الصديق من صدق».
وكذا من أراد الأصدقاء فليبحث عن أصحاب العقول والهمم، فإنهم يطلعوك على أفكارهم النيرة وهممهم النشيطة ولاتندم أبداً على مصاحبتهم.
وعليك أن لاتنسى نفسك من مصاحبة الكرام، فإنهم بحول الباري يعينوك على نوائب الدهر وفك الفاقة، فعن الإمام الصادق - قال: قال رسول الله «أسعد الناس من خالط كرام الناس»[6] .
وليكن للزاهدين نصيباً في أصدقائك وقرنائك فأن خير الدنيا معهم - وفي ذلك يقول «إذا رأيتم الرجل قد أعطي الزهد في الدنيا فاقتربوا منه فأنه يلقى الحكمة»[7] .
وتؤكد الوصايا على مخالطة العلماء والاقتراب منهم وملاصقتهم حتى تنهل من علمهم وتأخذ من ثروتهم العلمية الطائلة هذا غير لما لذلك من الفضل عند الله تعالى - يقول أمير المؤمنين «اعلموا أن صحبة العالم وأتباعه دين يدان الله به وطاعته مكسبة للحسنات ممحاة للسيئات»[8] .
فأمثال هؤلاء من تصاحب وتسعى أن تصاحبهم لما في ذلك من خير الدنيا وشرف الآخرة والعكس تماماً عندما أصادق من لاينبغي مصادقته، فكيف تكون دنياي وآخرتي حتماً خسارة الدنيا والآخرة لأنه ليس في ذلك صلاح أبداً فمن هؤلاء الذين تسببوا في هذه الخسارة الفادحة هم بالطبع أصحاب الصفات المعاكسة للصفات الحسنة، والذين يجب أن تتجنبهم على سبيل المثال الكذّاب والبخيل والأحمق وغير ذلك من الصفات الذميمة التي يجب اجتنابها فمن ذلك «عن أبي عبدا لله الصادق أنه قال: كان أمير المؤمنينإذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مواخاة ثلاثة الماجن الفاجر، والأحمق، والكذاب»[9] .
فعلى هذا لا أصاحب الأحمق فليس في صحبته خير يرتجى ولا علم يستضاء به، فقد روي أن الكسائي العالم النحوي المعروف قابل أعرابي يوماً فقال له هل يسرك أن تعطى مائة ألف وتكون أحمق فقال لا، قال ولماذا؟ فقال أخشى أن تذهب المائة ألف ويبقى عليّ حمقي!!
وعليك بعدم مصاحبة الجاهل فقد قلنا في البداية أنك منسوب إلى من تصاحب فلا تصاحبه فتنسب إلى الجهل- فإن الجهل أمرّ شي ء في الحياة والإنسان ينبغي أن يكون عدو للجهل لاصا حب له - وقالوا في الحكمة ««الإنسان عدو ماجهل»». وقال الرسول الأعظم «أحكم الناس من فرّ من جهّال الناس»[10] .
ويبقى قي هذه النقطة أن نعرف شيئاً أخير وهو ليس كل صديق تجب عليك مودته لأن البعض يتلون بينك أنت العاقل المخلص وذاك المخادع الماكر - فهذا لاخير فيه، فمما ينسب للأمير أيضاً، قوله:
|
- من تلك الحقوق:
• التواضع مع الأصدقاء: التواضع مع الأصدقاء يعد من الأسس والركائز في بناء العلاقات بين الأصدقاء بل حتى في بقائها وديمومتها والتواضع من العوامل الرئيسية التي تساعد على زيادة المحبة فيما بينهم وهو الأرضية التي تهيأ للقبول الصديق.
• التزاور بين الأصدقاء: الزيارة والتي هي المفتاح الذي يضمن به الصديق أروع مظاهر الوفاء والمحبة بينه وبين صديقه فتفقده إياه في بيته وعمله ومحل إقامته فكم لذلك من اثر فعّال وأنه ليدخل السرور والبهجة على المزار وهذا تطبيق عملي لإظهار محبة ذلك الصديق - قال الرسول الأعظم «الزيارة تنبت المحبة»[13] . وقال عن الله تعالى في حديث قدسي: «أنت ضيفي وزائري وقد أوجبت لك الجنة لحبك إياه»[14] .
ويبقى أن أراعي أوقات الزيارة، صحيح أن الزيارة مستحبة للأصدقاء والأقارب والأحبة لكن ينبغي عليه مراعاة أوقات الزيارة فلا أزورهم في أوقات غير محببة.
• الهدية: أما الهدية فهي سنام ورأس المحبة بين الأصدقاء وزاد الصداقة وهي من أحد الأسباب المهمة في استمرارها فإنما تعرف المحبة بالهدية، وعلى قدر المحبوب تكون الهدية - يقول «تهادوا تحابوا»[15] .
وتكمن أهمية الهدية في قيمتها المعنوية وكيفية ربطها بين الأصحاب لا في قيمتها المادية أو في قلتها وكثرتها، ومن قدرها لذلك فقد جانب تفكيره الصواب وبعد عن القيمة الحقيقية للأصحاب يقول المصطفى الأكرم «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت»[16] .
فالصديق قيمته هي ماأعطاه إياها الإسلام من احترامه وتوقيره ومعرفة قدره وإعلاء شأنه. وأخيراً لابد من التشديد على مثل هذه الحقوق والتأكيد عليها ولاسيما في المناسبات السعيدة فيتم فيها تبادل الزيارة والهدايا أكثر فيما بين الأحباب والأصدقاء وتمر علينا في هذه الأيام واحدة منها وهي عيد الفطر السعيد هذه المناسبة الشريفة التي تتفتح القلوب وتنشرح النفوس للأستقبالها.