آليات استقطاب الشباب للتدين
بسم الله الرحمن الرجيم
آليات استقطاب الشباب للتدين
هذا العنوان ربما يستبطن فرضيتين أساسيتين لا أعلم أنهما خضعتا للاختبار العلمي ، وليس هذا الأمر بغريب على مجتمعاتنا التي تغيب عنها المؤسسات البحثية المهتمة بدراسة الظواهر الاجتماعية وتحليلها وسبر أغوارها، هاتان الفرضيتان هما: بعد الشباب عن التدين أو نفورهم منه وعجز الآليات الحالية عن استقطابهم للتدين.
ولو أردنا أن نختبر هاتين الفرضيتين علميا فإننا سنبحث عن لغة أكثر تحديدا للمصطلحين المستخدمين: الشباب والتدين. فما هي الفئة العمرية المعنية بهذا المصطلح؟ وكيف يمكن قياس التدين؟ هل بالحضور في المساجد؟ هل بالمشاركة في مراسم العزاء والمناسبات الدينية الأخرى؟ هل بحيازة دفتر الخمس؟ هل بالانتساب للهيئات الدينية والاجتماعية العاملة؟ هل بالمواظبة على زيارة النبي وأهل بيته ؟ هل بالحج؟ هل بالعلم بالأحكام الشرعية الابتلائية؟ هل بالثقافة والمعرفة الدينية؟ هل بمعايير أخرى، وما وزن كل معيار؟ ربما نكتشف عند تطبيق هذه المعايير أو غيرها أن هاتين الفرضيتين خاطئتان.
ولكي لا أنسف ورقتي سأنطلق من قراءة أخرى للعنوان تقوم على أن المطلوب هو البحث عن آليات أفضل لاستقطاب شريحة أكبر من الشباب للالتزام بالحالة الدينية، وهنا لي وقفة، حيث نحتاج إلى البحث عن الإطار النظري للآليات قبل بحث الآليات، وأقصد بالإطار النظري الرؤية الموسوعية الشاملة المنبثقة من الدراسات الدينية والتاريخية والنفسية والاجتماعية للعنصر موضوع الاستقطاب لمعرفة دوافعه ومحفزاته وما يرغب فيه وما يرغب عنه، وما يطلقه وما يكبحه، وما يجذبه للعقيدة وما ينفره منها، فإذا توفرنا على هذا الإطار النظري أصبح بحثنا في الآليات أكثر موضوعية وعلمية، ولعل هذا من أكثر الأمور إلحاحا على العاملين في حقل الدعوة إلى الله حيث نفتقر للدراسات المهتمة بهذه المواضيع، ولعلنا نميل بطبيعتنا المتعجلة للقفز للاستنتاجات دون استكمال المقدمات، وإلى وصف الدواء قبل تشخيص الداء، وعلى رأي المثل الشعبي، وللأمثال مدلولاتها ( اربط صبعك والكل ينعت لك دوا)
في ظل هذه المقدمة أطرح مساهمتي داعيا إلى ضرب الرأي بالرأي – كما حثنا على ذلك أمير المؤمنين – ليتولد منه الصواب الذي ننشده جميعا. وسأبدأ بما أراه سمات هامة للآليات التي نبحث عنها، وهذه السمات ربما تشكل جزءا من الإطار النظري المذكور آنفا:
1- الحركة الدائبة والإيقاع السريع سمتان شبابيتان ينبغي أن تدخلا في نسيج برامج الاستقطاب الموجهة لهذه الفئة.
2- الرعاية الشخصية انطلاقا من قوله تعالى: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ (37) سورة آل عمران ، وقوله تعالى ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ (39) سورة طـه. وقوله تعالى : ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (28) سورة الكهف ، الرعاية التي ننشدها تكون من خلال العلاقة المتينة مع الشخص المستقطب ومعرفة قدراته ومواهبه لتوجيهها وتنميتها ، ومشاكله وهمومه لمساعدته في حلها. إن اللمسات الإنسانية هي الأعمق تأثيرا في نفوس الأشخاص.
3- المأسسة: وأقصد بالمأسسة أمرين أولهما أن تكون برامج الاستقطاب ضمن عمل مؤسسي مبني على استراتيجية واضحة ورؤية بعيدة المدى، وثانيهما أن تشبع حاجات الانتماء لدى الشاب عن طريق ربطه بكيان يشعر من خلاله بالأمن الاجتماعي والتقدير والاحترام وتحقيق الذات، وهذه أمور في غاية الأهمية، حيث لا يفتأ الشاب يبحث عن شلة ينتمي لها، وفريق يشجعه.
4- مراعاة الأبعاد الإنسانية الأربعة للشاب المتمثلة في بدنه وعقله وروحه وعاطفته، وهنا نحتاج لبرامج متنوعة يركز كل منها على بعد من هذه الأبعاد لخلق الشخصية المتوازنة التي تستطيع أن تعمل وتفكر وتسمو وتتفاعل.
5- الاستجابة لمتطلبات المرحلة والتناغم معها: وهذا يعني عصرنة البرامج واستخدام التقنيات الحديثة فيها، ولعل تجربة فيلم ( رب ارجعون ) التي لاقت الكثير من النجاح دليل على تفاعل الناس مع ثقافة الصورة أكثر من ثقافة الكلمة، لأن ثقافة الصورة سمة العصر الذي نعيشه.
6- التفاعل مع مشاكل الشباب وواقعهم: إذ من الطبيعي أن ينجذب الإنسان إلى ما يرى أنه يبحث معاناته، ونشهد في هذا المجال قصورا واضحا لدى كافة آلياتنا الاستقطابية الراهنة، فمشكلة واحدة مثل الحب بكافة تفريعاته لدى الشباب لا تكاد تجد لها مكانا في بحث أو برنامج أو منبر أو غير ذلك، على الرغم من أنها مشكلة المشاكل عند الشباب. وذلك خلاف سيرة الأنبياء الذين كانوا يعالجون مشاكل مجتمعاتهم من أخلاقية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.
وهنا أود أن أشيد بتجربة قام بها بعض الشباب المخلصين في أم الحمام بعنوان ( الحوار الشبابي الصريح )، حاولت وتحاول أن تتطرق لمشاكل الشباب بأسلوب عصري مشوق.
7- النأي عن الصراعات الاجتماعية: فالبرامج التي تدخل في الصراعات الاجتماعية تصبح جزءا من المشكلة، وتفقد جاذبيتها. كما إن البرامج التي تتسامى على الخلافات والصراعات، وتركز على مصلحة الشخص المستهدف والمجتمع تحظى بالكثير من القبول والتأييد.
8- الاقتداء بالنماذج الناجحة المحلية والخارجية: من خلال دراسة عناصر الاستقطاب فيها ومحاولة تكييفها مع الواقع الاجتماعي المعاش.
9- مراعاة الفوارق الفردية والاهتمامات الشخصية: فهناك شخص تستهويه البرامج الرياضية، وآخر الثقافية، وثالث العلمية.
10- القدرة على تقديم البدائل الجذابة التي تعيد صياغة مفاهيم البطولة والنجومية لدى الشباب.
- هذه هي السمات، أما الآليات فيمكن أن تقسم إلى قسمين:
- آليات الاستقطاب الفردي
- آليات الاستقطاب الجماعي
ولا ينبغي الاكتفاء بأي منهما، بل يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب في برامجنا الاستقطابية، ومن هذه الآليات:
- التعرف على مواهب الأشخاص الفردية وقدراتهم وتشجيعها واستثمارها وتوجيهها بما يعود على الشاب وعلى مجتمعه بالنفع: ونذكر في هذا السياق الرسم والتصوير والكتابة والشعر والتمثيل والخياطة والمكياج والكمبيوتريات والصوتيات والكهرباء والإلكترونيات.
- رصد جوائز نقدية لأصحاب الإنجازات والمبدعين من الشباب
- إقامة مؤسسات بحثية تعنى بشؤون الشباب
- تشجيع الطاقات الشابة الواعية على تأسيس هيئات شبابية مختلفة دينية وثقافية وعلمية وفنية وغيرها، كفرق الإنشاد، والكشافة، والمنتديات الأدبية، والجمعيات المتخصصة
- إقامة دورات في مختلف جوانب التنمية البشرية تصقل مهارات الشباب وتساعدهم على أن يكونوا أعضاء قياديين فاعلين في المجتمع، وأصحاب مراكز وظيفية مرموقة
- إقامة الرحلات والمخيمات الكشفية
- إقامة المسابقات الرياضية
- إقامة المسابقات الثقافية التي تستخدم التقنيات الحديثة ورصد الجوائز المغرية لها
- إقامة دورات روحية تربوية تعمق الحالة الدينية عند الشباب
- تطوير وسائل النشر الثقافي من أشرطة وكتيبات ومجلات بحيث تتسم بالجاذبية والتشويق
- تأسيس مواقع خاصة بالشباب على الإنترنت.
- الاستفادة من الفضائيات المتاحة في إنتاج برامج شبابية متطورة
- تطوير الاحتفالات والندوات شكلا ومضمونا حتى تكون أكثر حيوية
- العمل على التطوير الدائم لمراسم العزاء بما يحافظ على قدرتها التعبوبة
- استثمار المنبر الحسيني في مواسم الذروة الشعائرية وتطوير خطابه ليكون موجها أكثر لفئة الشباب ومشاكلهم وهمومهم
- الاهتمام بالإنتاج الإعلامي التلفزيوني والسينمائي، حيث تأثير الصورة في زماننا أبلغ من تأثير الكلمة في كثير من الأحيان
- إطلاع الشباب على التجارب الناجحة والإنجازات التي يقوم بها نظراؤهم محليا وخارجيا
- الاستفادة من المدرسين الواعين في عملية استقطاب الشباب
هذه بعض الآليات، وما أود التأكيد عليه أخيرا أن الرعاية الشخصية والتشجيع الفردي يجب أن يحتلا أولوية عليا في موضوع الاستقطاب.