أصحاب الإمام الحسين عليه السلام القمم الشامخة ... وكوكبة الخلود
جاء في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (قدس) وغيره ، عن الإمام زين العابدين عن أبيه الإمام الحسين أنه قال: ... أما بعد:
فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا....).
وعن الإمام الحسين أيضا أنه قال : ( والله ما رأيت أصحابا كأصحابي ) .
إن شأن ومكانة أصحاب الإمام الحسين عظيمة وجليلة بحيث أصبحوا لا أحد من أصحاب المعصومين يفوقهم وفاءً وخيرا ، فهذا سيد الشهداء وهو العارف بأصحاب جده المصطفى ، وكذلك هو العرف بأصحاب أبيه المرتضى يقول ( والله ما رأيت أصحاباً كأصحابي ) فهذا القسم الذي ينفي وجود أحد أوفى بالصحبة مع سيدهم منهم رضوان الله عليهم ، فإن الإمام المعصوم حين يقول ( فإني لا أعلم أصحاباً ... ) فهذا ليس كعلم أحدنا ، فإننا إذ نتفوه بمثل هذا الكلام يبقى احتمال وجود النقيض من هذا العلم قائماً بل وفي أعلى نسبه المئوية ، ولكن إذا صدر ذلك من بين الثنايا المقدسة للحسين ، أو من أي معصوم ، فإن ذلك يعني عدم الوجود ، أي لا وجود لأصحاب أوفى ولا خير من أصحاب الإمام الحسين أياً كانوا .
فهذه العبارات – والله – تستدعي وقفة وتأملاً وبحثاً لسبر غور هذه الكلمات الشريفة والوقوف على معانيها ومدلولاتها من خلال الإطلاع على سيرة هؤلاء الأصحاب والوقوف على سر العظمة ، فإن الإنسان – كما قيل – موقف ، فما هي مواقفهم التي أهلتهم كي يعانقـوا القمة ويتقدمون على غيرهم من الأصحاب ؟ .
فإني أعتقد أنه من الصعب – جداً – أن يفي أحد ببيان فضائل أصحاب الإمام الحسين أو تحديد منزلتهم أو كيفية بلوغهم القمة في المثل ، وإلا فبربك قل لي ما عسانا أن نقول فيمن يذكرهم المعصوم ( الإمام الباقر ، والإمام الصادق ) عليهما السلام في زيارة عاشوراء العظيمة وهما في حال السجود عند زيارة جدهما الحسين ويقولا ( اللهم ثبت لي قدماً عند مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ) !!
كل ذلك ، وغيره ، يدعونا إلى التأمل في مجمل حياة هؤلاء الأعاظم من أصحاب المعصومين ، وهنا أود أن أُلمح إلى بعض الفوائد التي تستدعينا للوقوف والتأمل والتدوين في تركيبة هؤلاء الأصحاب من عدة جهات ومجموعة زوايا :
- أولاً :
الظاهر – والله العالم – أن أغلب أصحاب المعصومين كان فيما بينهم بعض الاختلاف في الرأي ووجهات النظر ، كما هو واضح في أصحاب الرسول الأعظم بعد الانتهاء من معركة بدر واختلاف الأصحاب في تقسيم الغنائم ( ويسألونك عن الأنفال ... ) على أنه كان خلاف على أمرٍ مادي لا قيمة له ، وكذلك اختلافهم بعد رحيله صلى الله عليه وآله ، وكذلك الحال مع أمير المؤمنين حيث سلب حقه وتفرق الناس عنه حتى لم يبقى إلا القليل منهم معه ، وكذلك الحال مع الإمام الحسن والغدر الذي وقع من الجيش ... ولكن أصحاب الإمام الحسين لم يختلفوا على أمرٍ فيما بينهم بل انهم تمنوا الموت بين يدي سيدهم مرات ومرات ولوا قطًعوا بالمناشير وأحرقوا لما اختلفوا في ذلك ، وهذا الأمر بحاجة إلى بحث مستقل كمسح علمي يبين الفوارق بين الأصحاب .
- ثانياً :
تركيبة أصحاب الإمام الحسين ( السنية ) أو ( العمرية ) فإن هذه القافلة تضم جميع المراحل السنية ، من الطفل الرضيع إلى الشيخ الهرم ، وكلهم قدموا بين يدي الحسين أنفسهم فنقل لنا التاريخ أن عدد ( 5 ) من الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم قتلوا بين يديه .
- ثالثاً :
تركيبة أصحاب الإمام الحسين الاجتماعية : فإنها تضم الفقهاء والوجوه وذووا المراكز الاجتماعية والعلمية والمكانة العالية كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة الفقيه وبرير بن خضير القارىء وانس بن الحارث .. وغيرهم ، ومنهم من كان من الموالي حيث كان عدد الذين استشهدوا في واقعة الطف (15) من الموالي . فكوكبة الخلود تضم بين جنبيها جميع الطبقات الاجتماعية بتشكيلة رائعة في التعددية الطبقية حيث ألغت جميع الفوارق الطبقية وانصهرت لتحقيق هدف واحد وهو نصرة الحسين .
- رابعاً :
أن قافلة أصحاب الحسين ضمت ( الجنسين ) الرجل والمرأة ، فهناك خمس نسوة برزن إلى الأعداء وقتلت منهن اثنتين أم عبد الله بن عمير ، وأم عمر بن جنادة ، واستشهدت امرأة واحدة وهي أم وهب .
فإن الذين جاءوا بعيالهم مع ركب الخلود من الأصحاب ثلاثة ، عائلة مسلم بن عوسجة ، وعائلة جنادة بن الحرث ، وعائلة عبد الله بن عمير الكلبي . وأما الذين قتلوا مع الحسين وأمهاتهم معهم في الخيام فهم (9) تسعة شهداء من الهاشميين والأصحاب .
فهذه التركيبة الفائقة الإتقان التي تذوب بين ثناياها جميع الفوارق الجنسية لتغرد وتعزف مزامير الخلود الدائم ( الدنيوي ، والأخروي ) وترسم على جبين التاريخ أروع صورة من الانصهار في القيم .
- خامساً :
ضمت قافلة الحق تشكيلة رائعة من التعددية الجغرافية : فهناك البصري والتركي والزنجي والكوفي والمدني والمكي والحضرمي والأعرابي وو ... فهذه هي جغرافية أصحاب الحسين شمولية الانتساب عالمية الانتماء .
- سادساً :
التعددية الفكرية والمذهبية : فأصحاب الحسين منهم الشيعي الخالص المعروف بالولاء للآل كحبيب وغيره ، ومنهم عثماني الهوى كزهير بن القين والحر بن يزيد الرياحي وغيرهما ، ومنهم من كان من الخوارج كسعد بن الحرث الأنصاري ، ومنهم من كان مسيحي كوهب الكلبي هو وأمه وزوجته .
فهذه العقائد المتباينة كلها تتحلل أمام حب الحسين وآل الحسين لتذوب في التضحية بين يديه المقدستين وتحت لوائه وعلى دينه .
وهناك أيضاً مجموعة أخرى من الفوائد والملاحظات ، كوجود نص من المعصوم ( الحجة عج ) لزيارتهم وهل يوجد في الأصحاب غيرهم كذلك وغيرها من الفوائد التي تدفعنا إلى البحث عن أصحاب الحسين ، هذه التشكيلة المختارة بحيث وصلوا إلى متربية ( لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خير من أصحابي ) والتزود من سيرتهم وما هو السر الذي يقف وراء فوزهم وسعادتهم واختيار الباري جل وعلا لهم هذه المرتبة السامية .
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإمام الحسين كان منذ خروجه من المدينة المنورة إلى ليلة العاشر من المحرم يبدأ كثيراً من خطبه بالموت وأنها لا عودة بعد هذه النهضة كقوله ( خط الموت على ولد أدم ... ) و ( هذا الليل اتخذوه جملا ) وغيرها وغيرها مما يشم منه أنه أراد أن يجعل أصحابه الذين سيقتلون معه هم صفوة الدنيا في التفاني وخيرة الناس ،فكان أصحابه ينقصون كل يوم حتى تبقى منهم الكوكبة الخالدة .. عندها قال الإمام الحسين (فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا .. ) لهم دوي كدوي النحل يتسارعون إلى الموت ويأنسون به وكل ذلك في رحاب رحمة الله الواسعة : الحسين بن علي عليهما السلام .