الإمام علي (عليه السلام) ... النزاهة
سألت أحد الأصدقاء لماذا تركت منصب رئاسة القسم، مع أنك المؤهل والجدير بهذا المنصب، فأنت تتمتع بالصفات القيادية والأفكار التجديدية والابداعية ...؟
- أجابني صديقي بقوله:
إذا كنت تتولى الرئاسة والمنصب لأجل التطوير والابداع والإنتاج وجميع الصلاحيات الإدارية مهيئة لك ففي هذه الحالة يمكنك أن تتمسك بهذا المنصب، ولكن حين يتحول هذا المنصب إلى فرصة لإشباع الرغبات والشهوات والتمتع بملذات المنصب واستخدام جميع الصلاحيات لإشباع رغباتك الذاتية ففي هذه الحالة أنت أمام نفق الفساد الإداري وعليك أن تحذر من الانزلاق ومتابعة السير فيه....
ثم ابتسم صديقي وقال هل عرفت الآن لماذا رفضت هذا المنصب ... باختصار أقول لك: لا تدع المنصب يسرق منك نزاهتك ...
- انتصر لنزاهتك
النزاهة تعني البعد عن السوء وترك الشبهات، وهكذا هو أمير المؤمنين فلم يكن من أولئك الذين ينتهزون الفرص ويغتالون المبادئ لأجل الحصول على المتاع الدنيوي.
وهو القائل: النزاهة من شيم النفوس الطاهرة. وعنه : ظرف المؤمن نزاهته عن المحارم ومبادرته (مباكرته) إلى المكارم (1).
لقد كان الإمام علي (عليه السلام) النموذج المشرق في التشدد مع النفس ومخالفة الأهواء والرغبات الذاتية، فهو القائل: "اقمعوا هذه النفوس، فإنها طلعة إن تطيعوها تزغ بكم إلى شر غاية (2).
ولكي تنتصر في نزاهتك وجهادك ضد الأهواء والرغبات عليك أن تتبع أوامر عقلك كما يقول الإمام علي (عليه السلام): استرشد العقل وخالف الهوى تنجح (3).
- لا للمحسوبيات
لم يكن في منهج الإمام علي صفحة للمحسوبيات سواء أقارب أو أصدقاء، فكان يعامل الناس بالعدل والسوية، وهذا ما نجده في سيرته مع أخيه عقيل حيث ورد في نهج البلاغة:
" وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى...(4)
- لا حاجة لنا فيه
وفي قصة رائعة توضح نزاهة الإمام علي في أبسط الأشياء فقد جاءه غلامه (قنبر) ذات مرة وقال له: قم يا أمير المؤمنين، فقد خبأت لك خبيئا، قال:
وما هو، ويحك! قال: قم معي، فانطلق به إلى بيته، وإذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا وفضة، فقال: يا أمير المؤمنين، رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته، فادخرت لك هذا من بيت المال، فقال علي عليه السلام: ويحك يا قنبر! لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة. ثم سل سيفه وضربه ضربات كثيرة، فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه، وآخر ثلثه، ونحو ذلك، ثم دعا بالناس، فقال: اقسموه بالحصص، ثم قام إلى بيت المال، فقسم ما وجد فيه، ثم رأى في البيت إبرا ومسال، فقال: ولتقسموا هذا، فقالوا:
لا حاجة لنا فيه، وقد كان علي عليه السلام يأخذ من كل عامل مما يعمل. فضحك، وقال: ليؤخذن شره مع خيره (5).
وهكذا تجلت النزاهة في سيرته عليه السلام ليكون قدوة وأسوة لكل من يتولى منصب أو رئاسة معينة.