تقييم أداء المنبر الحسيني المحلي
في كل سنة وبعد عشرة محرم، يبدأ بعض رواد المنبر الحسيني،مناقشة الموائد الفكرية التي تلقوها من الخطباء الحسينيين بالمنطقة على مستوى شعبي وليست وفق منهجية علمية. وعادة ما تثار مجموعة من التساؤلات لتقييم الغذاء الفكري والعاطفي لخطباء الساحة المحلية بحسب المعايير التي يراها نقاد المنبر الحسيني، ولعل من أهم تلك التساؤلات التي تثار في هذا الشأن : من هو الخطيب المتميز لهذا العام؟ ما أبرز المواضيع المطروحة؟ ما أهم النكات الدقيقة التي أشار إليها؟ ما أبرز الأدوات التي أعتمد عليها لشد المستمع عاطفياً؟
وبما أني أحد المستمعين للمنبر الحسيني المحلي ،وأدعو من الله الموفقية في الاستمرار لإحياء تلك المجالس الربانية, والتي أفرزت على مر العصور نخباً إيمانية, جسدت أهداف الإمام الحسين في الساحة العملية، وكما أدعوه التوفيق وهو الأهم للسير على نهج الإمام الحسين .
فمادة البحث والمناقشة هي تقييم مستوى الخطباء الحسينيين بالمنطقة، ويتم ذلك برصد مجموعة من الملاحظات الإيجابية والسلبية على الخطباء الذين استمعنا لمحاضراتهم،والحرص على سؤال بعض المؤمنين التي تهتم بحضور مجالس الخطباء البارزين بالمنطقة عن الموضوع المطروح، قوة العرض، تدعيم البحث بالاستشهاد الإحصائي.....إلخ،وبما أن قنوات التحليل مختلفة عند أفراد المجتمع فقد تكون في بعض جوانبها مشبعة بقراءة عاطفية في رصد الحدث،وتفتقر للحياد والموضوعية،كما أنها قد تكون أحادية بمعنى انحصار الاستماع لخطيب واحد لا يتغير في كل موسم، ومع ذلك ترى ترجيح تميز مستوى أداء بعض الخطباء في الطرح بحيث هناك نمو تصاعدي في الأداء، التوفيق في اختيار المواضيع، القدرة على إشباع التحليل في الموضوع، إبداع في تناول الجانب العاطفي، وعلى الطرف المقابل تأتي إجابة المقابلة بضعف أداء بعض الخطباء.
ولو أردنا التوقف قليلاً لمناقشة أسباب تبلد مستوى البضاعة المعروضة للخطيب لرأينا أن هناك مجموعة من الأسباب من أهمها :
1- هشاشة التحضير: فمؤشر ضعف أداء الخطيب الحسيني متعددة منها: غياب الترابط بين عناصر البحث، تعدد المواضيع المطروحة في ليلة واحدة،أسلوب الطرح عامي بحت، استخدام الأوراق المساندة في كل صغيرة وكبيرة ( ما لابد منه، وما يمكن الاستغناء عنه)، تكرار المواضيع المطروحة وبدون إضافات تذكر. فالمنبر الحسيني الحالي تحضره شرائح علمية وفي مختلف التخصصات، وذلك مدعاة للخطيب إلى التسلح السليم بتحضير موسمي يضع من خلالها خطة تتضمن اختيار المواضيع الرئيسة قبل العشرة بشهور، يتبعها قراءة مكثفة وفي مختلف العلوم التي لها علاقة بموضوع البحث، وهذا يتطلب متابعة للدراسات والأبحاث والتقارير وحضور للمؤتمرات والندوات العلمية، اشتراك في دوريات علمية، استشارة الرموز العلمية لتقديم بعض المقترحات حول البحث.
2- احتكار الخطيب : فبما أن وكيل الحسينية أو المحيطين به هم أصحاب القرار في اختيار الخطيب الحسيني لعشرة محرم،وقد لا يتم اختياره لمعايير موضوعية،فأصبح البعض منا لا يسأل عن الخطيب الحسيني لعشرة محرم في هذه الحسينية وإنما يسأل عن وقت القراءة، فالسمة البارزة لبعض المجالس هي احتكار الخطيب الحسيني لعدة عقود ، وهذه المنهجية قد تسهم في قوة المنبر الحسيني، إذا تعامل معها الخطيب بجدية واستعداد، ولكنه قد يسبب من جهة أخرى في ضعف أداء المنبر الحسيني لا لشيء إلا لقناعة الخطيب بأن مستواه متميز، ومؤشر ذلك ضمان الطلب على منبره ، مما قد يسهم ذلك في ضعف مستوى أداء الخطيب بالنسبة للتحضير، قلة التفاعل مع أطروحاته، فالجماعة التي تستمع لمنبره معظمهم قد عرفوا سياسته في الطرح، أسلوب عرضه للمواضيع، أهم المواضيع المختارة.
3- غياب التغذية المرتجعة: هناك شرائح من المستمعين لا يوقفهم الهفوات التي تصدر من الخطباء،فلا توجد مناقشة لبعض الآراء ، ولا تقديم النقد البناء ، وإنما التسليم بكل ما يتفوه به الخطيب ، وإذا أراد مستمع انتقاد ذلك الخطيب فدائماً يتم خارج نطاق الستارة المفيدة والمناسبة بحيث لا تصل الرسالة إلى الخطيب، أو قد يقدم النقد بأسلوب غير حسن مما ينعكس سلباً على التغذية المرتجعة في تطوير الأداء، كما أن بعض الخطباء لا يتبنوا منهجية علمية تسهم في رصد المستمعين لأبرز الملاحظات الهامة لمنبره .
4- قلة المشاريع الحسينية البديلة : حيث تنحصر قنوات التفاعل مع الشعائر الحسينية في الاستماع للمحاضرات والتعزية الحسينية بعد القراءة وفي السنوات الأخيرة زاد مستوى التفاعل مع ما يطرح من المشاريع الحسينية عبر الانترنت والفضائيات، ولكن نفتقر لمشاريع محلية منافسة مثل الندوات الحسينية،والمسابقات،والبحوث،والملتقيات الأدبية، المسرحيات،والتي لها ارتباط بالشعائر الحسينية، وهذه المشاريع لو توفرت توجد نوعاً من المنافسة للمنبر الحسيني، مما قد يحرك إرادة الخطيب الحسيني وبطريق غير مباشر إلى الارتقاء بجودة التحضير حتى لا يتعرض منبره لانسحاب البساط منه،وتناقص أعداد جماهيره وتكثيف حضورهم للمشاريع البديلة لو عرضت بجودة متميزة .
5- ضعف المستوى العلمي والأكاديمي للخطيب: فيمكن تقسيم الخطباء في هذا الاتجاه إلى أصناف فمنهم من وصل إلى مستوى علمي ديني لا باس به ولكنه أكاديمياً لم يكمل الشهادة الثانوية على أقل تقدير، ومنهم من أنهى شهادة الدكتوراه في الجانب الأكاديمي ولكنه لم ينته من مستوى دراسة كتب المقدمات، ومنهم من هو لم يصل إلى مستوى مقبول لا حوزوياً ولا أكاديمياً، ومنهم من قطع مشواراً علمياً في الاتجاهين وهو البديل الأفضل والذي يتوقع منه تجهيز مادة علمية جيدة للمستمعين.
6- غياب المراكز العلمية المتخصصة : فيحتاج الخطيب الحسيني للكثير من المعلومات وعلى عدة أصعدة في السياسة في الاقتصاد في الاجتماع في الصحة في ... ولكنها يفاجأ بعدم توفرها، فمن الدراسات التي يحتاجها ما يرتبط بهموم المجتمع، مشاكل المجتمع، الأمراض الاجتماعية ، تطلعات المجتمع في المستقبل ، قيم النهوض بالمجتمع، الأمراض الدينية التي أصيب بها المجتمع وكيفية الخروج منها ... إلخ.