الكلمة.. موقف ومسئولية

      لاشك أن في الكلمة الطيبة عطاء ورحمة فهي كالقارب الذي يصل بصاحبه إلى ساحل السعادة والرفاء، وهي مشاعر صادقة تنبعث من نفس إنسانية مسئولة بعبق الحب إلى كل قلب لينتعش بجمالها ويتزود بكلماتها، وهي ذلك المشعل الذي يضيء الطريق لمن يحمل في كيانه حب الخير للآخرين، كما وأن لهذه الكلمة مساحة واسعة في نفس الإنسان الذي يتمتع بوعي وحكمة لما فيها من الصراحة والشفافية والمصداقية وهي بذلك يستفاد منها للفصل بين أمرين  متناقضين أو مختلف فيهما فمن الممكن أن تفصل بينهما، فما أكثر الكلمات التي يتسابق الكثير من الكتاب لإخراج كتاباتهم بشكل يتناسب القيمة الفكرية والعقلية المتلقية للفكرة لما لهذه الكلمات من الجمال في العرض وتسهيل للمعنى فالمقاطع المنمقة قد يتغنى بها الكثير من الناس بل قد تكون من أدبيات التعامل التي لا يستغني عنها الكثير في بعض المجتمعات وهي من الصفات الحميدة التي تدعو للانسجام والألفة، بينما يبخل الكثير في مجتمعاتنا في أن يقدم أبسط الكلمات في أثناء تلاقيه بأحدٍ ما أو زيارته لصديق أو قريب بل وفي أثناء تعامله مع الآخرين، وقد يغفل البعض منا أو يتغافل في أن يترجم مثل هذه الكلمات في شكره للآخرين على ما يقدمونه له من خدمة، وقد يجد البعض في نفسه حالة من التعالي والكبرياء إذا خطاء من دون قصد أن يتواضع ويعتذر بكلمة تنبع من القلب فيها رضا لمن أساء له ، فقد تكون كلمات بسيطة ولكنها ذات قيمة وأهمية وهي من أدبيات التعامل مع الناس، وكما في الأثر ﴿ الكلمة الطيبة صدقة والتي تحتاج من الإنسان أن يتعلم كيفية تعلمها وتأطيرها بأحرف من نور حتى تكون مرموقة وجذابة، والقرآن الحكيم يعلمنا كيفية التخاطب بل ويربينا ويزكي نفوسنا بفن التخاطب مع الآخر، بسنه للبشرية جمعا أجمل الكلمات وأعذبها، تحية الإسلام الرائعة التي لو علم الناس مكنونها وما تحمله من السمات لما تركوها أو لما أكتفوا برد جملة منها، فمن الجيد أن تتهيأ القلوب للتخاطب وتصغي العقول للكلمة فمن الآداب أن يتوجه المخاطب بفكره وعقله وروحه وجسده للمتكلم حتى يعطيه حقه، حتى لو كان المتكلم غير مسلم فله حق إنسانيته التي يشترك بها مع سائر الناس، وكما قيل لا عليك ممن قال وإنما عليك مما قيل، فالإنسان المنصف هو ذلك الإنسان الذي يقيم الكلمة بكل أحرفها وأبعادها ومشاعرها، والصحيح أن الكلمة كلما كانت واضحة وخفيفة تكون اقرب للفهم وللقبول من قبل الآخرين، وما نود قوله قي هذه الأسطر القلية هو كيف نشيع روح المسئولة في المجتمع وأعتقد أن الإنسان مسئول عن الكلمة التي يتحدث بها وفي أي شيء تكون وبأي معنى، فالجدية في الحديث لها وقت والمرح والطرفة لها وقت آخر وما اعتقده أنه على الإنسان المؤمن الواعي الإنسان الحكيم المتبصر بفهمه والمعانق لروح الثقافة الأصيلة والمتتبع لمدى قابلية الناس في المجتمع للنصح يستطيع أن ينظر إلى حقيقة الكلمة وما ترمي أليه، إلى جوهرها إلى الأحرف النورانية التي تكونت منها جملة الكلمة في سبيل أن تقدم على طبق لمن يستمع إليها فيستفيد منها وينتفع، والصدق يقال أن الكلمة الصادقة والتي حان وقتها قد تنطلق بكل مشاعر الحب والعقلانية.  

      أن في مجتمعاتنا العربية هناك من يقف حائل أمام هذه الكلمة بل هناك من يحارب الكلمة الطيبة فيقف حائل أمامها فيحاول أن يشيع حالة الفوضى وألا أبالية، وفي تراثنا الإسلامي شواهد كثيرة في هذا المعنى وقد نهى القرآن الحكيم في آياته البينات عن هذه التصرفات بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ الحجرات (2) هكذا كان يفعل بعض من كان مع الرسول وقد حذرهم القرآن الكريم أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ولا يخاطبوه كما يخاطبون بعضهم بعضا ففي ذلك مفسدة لإعمالهم وللمجتمع، فحتى لا تجد هذه الكلمة لها صدى في النفوس ومكانة في القلوب ولا يصغي أليها أحد، هناك من يحاول أن يمنعها عن وصولها وهي في طريقها أو بعد أن تصل فلا يستفيد من هم بحاجة أليها بالتعتيم تارة وبالرفض والضوضا تارة أخرى، تلك هي ممارسة الذين يتلبس الشيطان في صورهم فيسخرهم لطاعتهم له ومحاربة المؤمنين والوقوف أمام عمل الخير، وهذا ليس لنقصان في ذات الكلمة أو لعدم وضوحها، ولكن لكونها تحمل في كيانها النور والضياء وكشف لحقيقة النفس البشرية التي يغفل عنها الكثير من الناس، ويعود ذلك لضيق أفق أو لعمى بصيرة أو لعدم ارتياح للمتكلم لمرض نفسي أو لجهل بالمنفعة، لذلك نجد في بعض المجتمعات ظواهر غريبة ليست من الإسلام في شي ونلحظ ذلك في بعض التجمعات الشبابية فله من يسوق  ومن يصفق فتجد أزمة سلوك من خلال الطفرات الطفولية المتداولة بينهم، أو الانصياع للأسطر الجديدة التي نراها دائما وأبدا كالعناوين الجذابة التي يتلاهث ورائها شباب اليوم، الجيل الذي انصهر وراء ملذاته وأهوائه وشهواته، هذا الجيل ثروة ضخمة وسور رائع فيه جمال وصحة المجتمع وهو الذي يمثل المجتمع في أدب السلوك والفكر والمعرفة، ولكن وللأسف نجد في شبابنا اليوم شريحة خاوية لاهية لا يفكرون في كيفية التعامل مع الحياة، من خلال العادات السيئة التي اكتسبوها " الطفرات الساخرة " التي تكون غالبا عشوائية، فتارة يلاحظ على البعض تصرفات غير مقبولة أخلاقيا ولا عرفيا ولا دينيا وغير لائقة  إنسانيا، تصرفات تنبعث من روح ساخرة ومتزمتة لا تعير وزن للكلمة الممتلئة بالإحساس اتجاه الآخرين .

        كما وللآسف الشديد أن هناك من يغذي هذه الروح فيحاول إبعاد من  هم بحاجة للاستماع والاستفادة، وإذا قيل لهولا يجب مراعاة الجوانب الأخلاقية والآداب والعرف الإنساني بين الناس، وبدلا من العبث في مضيعة الوقت وإشاعة الفوضى و روح السخرية واللا مبالاة، عليكم بالنصح والإرشاد مهما يكن فأنتم مسئولون وصلاح من معكم من صلاحكم ، وهنا ك وقت للعب ووقت للمزاح والترفيه، عندها تستمع إلى إجاباتهم ألتبريريه والتي لا يقبلها العقل " بهذه الطريقة نعبر عن أحاسيسنا ومشاعرنا ونشعر بالسعادة والمرح " ولكن على حساب من تبنى سعادة هؤلاء فأما شخص وكما يسخرون منه يسخر هو منهم أيضاً أو تجدهم يجتمعون على شخص فينالون نه سخريةٍ والمحزن في الأمر أن يشاركهم ذلك الإنسان بطيبته فرحتهم دون أن يدرك حقيقة أمرهم، وأحياناً يجتمعون على الاستهزاء بشخص لا أبالي وليس له حدود ولا قيود، ذلك الشخص قد يصل به الأمر إلى مستوى أن لا يشعر بتدني ألفاضه وانحلال أخلاقه، وقد يصعب من ناحية سلوكية معالجة ما وصل أليه بعد أن تمرس فألفاضه كلها كلمات نابية ومليئة بالاستحقار والاستهتار، فيتغير في تعامله وأخلاقه وتتحول طيبته إلى سذاجة وذلك هو نتيجة طبيعية للدور الذي يلعبه معه مجموعة من الصحبة الفاسدة وقد يفقد أجمل الصفات الإنسانية التي كان يتمتع بها مع الآخرين، عندها قد يتحول إلى شخص آخر بتغيره عن السابق كثيرا ويصبح الحديث معه غير مجدي، كونه لا يقبل الحديث الجدي ولا يعطي نفسه الفرصة ليفهم موقف الآخرين منه وأعظم خسارة على المرء أن لا تكون له قيمة عند الناس فيخسر كل شي .

       من هنا نعتقد أن الكلمة المسئولة في معانيها الصادقة وغايتها المنشودة وهدفيتها التي يتطلع لها من تتباين أمامه الحاجة لها قيمة حقيقية، فالكلمة النابعة من أحاسيس صادقة ووعي حقيقي تحمل رسالة فيها نفس الصلاح والمنفعة، لذا ينبغي أن يتمتع أبناء المجتمع بالكلمة التي يتغنى بها الجميع في حياتهم، فالسير على السكة بحاجة لمدارات من قبل الآخرين، والإنسان مسئول فإذا راء خطرا معين فهو مسؤول عن إخبار من يهمه أمره ولا يقول إن الخطر لن يمسني، فالكثير من الشباب معرض لمثل هذه المواقف والتي ينبغي أن نقف منها موقف المؤمن الذي لا يجامل في الدين وبهذا العمل يحصل على الثواب من الله والرضا في نفسه والشكر من الآخرين أيضاً، فالإنسان بحاجة للكلمة الطيبة، وعليه أن يعي هذه الكلمة ودورها في حياته، عليه أن يكون متحدث جيد ومستمع جيد حتى يتسنى له معرفة كل شئ بوضوح كما عليه أن يراعي مشاعر الآخرين اتجاهه، وعليه أن يوصل كلمته وأن يتحدث بصدق وصراحة، وأن يكون ضميره يقض وفكره متفتح، حتى يكون بمستوى المسؤولية اتجاه الآخرين بأفضل ما يكون، فسوف يجد من يسمعه ومن يقف معه ويشاطره الفكرة، وما عليه سوا تغذية فكرته التي يؤمن بها وبلورتها وطرحها بكل وسيلة ممكنة، لتجد الترشيد من قبل أصحاب الفكر وأهل الثقافة الواعين في المجتمع إذا لمسو فيها منفعة وتأملوا منها نتائج طيبة .