مقومات الكتابة
تعتبر الكتابةُ نوعاً من أنواع التبليغ, هدفها نفع الناس وحل مشاكلهم الاجتماعية، والأسرية، والنفسية، والشخصية، ومساعدتهم في عملية بنائهم الفكري، والروحي، والأخلاقي.
ولهذا لابد أن يكون الكاتب أو الذي يتصدى للكتابة حاصلاً على مؤهلات علمية حوزوية كانت أو أكاديمية أو موهوباً في هذا المجال وذا خبرة ومهتم بالجوانب الثقافية المختلفة.
وعلى الكاتب قبل أن يكتب بحثاً أو مقالاً أن يتنبه إلى أمور أساسية مهمة وهي لماذا يكتب؟ وماذا يكتب؟ ولمن يكتب؟.
لماذا يكتب؟: أي ما هو الهدف الذي من أجله سوف يتعب نفسه ويتجشم العناء و يبحث عن المصادر من هنا وهناك؟ هل هدفه نفسه أي حب الظهور ومدح الناس له وأن يقال عنه إنه إنسانٌ مثقف ومتميز؟ ومن يكون هدفه هذا فلن يضع نصب عينيه منفعة الناس, بل سوف يصب كل تركيزه على العبارات المنمقة والكلمات البراقة والمصطلحات الغربية لتزيين المقال أو البحث.
ومقالات وبحوث بهذه الهدفية في رأيي لن تُجدي نفعاً؛ لأنه ما خرج من القلب دخل القلب وما خرج من اللسان لن يتعدى الآذان.
(عندما سُئل ملك الصحافة اللورد "نورث كليف" عما يثير اهتمام الناس أجاب قائلاً: ((أنفسهم)) وهكذا بنى إمبراطورية صحافية بناء على هذه الحقيقة)(1)
فمن يهتم بالناس ومشاكلهم ومعاناتهم قطعاً يكون محبوباً لديهم, وكل ما يصدر منه من إنتاج فكري تراهم يضعونه في مجال اهتماماتهم.
على الكاتب أن يكون عنده اطلاع على هموم، ومشاكل، وآمال أفراد المجتمع، وما هي ميولهم واهتماماتهم, فمتى عرف واطلع على ذلك استطاع أن يصل بقلمه إليهم ويشخّص ما يحتاجونه من معارف، أو حل لمشاكل يعانون منها سواء أكانت هذه المشاكل أخلاقية، أو اجتماعية، أو أسرية.
وكلٌ حسب تخصصه, وفي رأيي أن مبدأ التخصص مهم جداً في الكتابة, فإذا كان الكاتب متخصصاً في مجال من مجالات المعرفة أو إن هذا المجال من ميوله الذاتي وإطلاعه وقراءته واسعة فيه, من المفترض أن يكتب في هذا المجال ويقدم كل نافع وجديد فيه, لأن عطاءه في تخصصه ومجال ميوله سوف يكون أكثر عمقاً وتركيزاً من المجالات الأخرى.
لمن يكتب؟: على الكاتب أن يضع في فكره الفئة التي يريد أن يصل قلمه إليها وهذا مهم جداً, هل هي للفئة الشبابية التي تجاوزت مرحلة المراهقة، أم الشباب والفتيات المراهقين، أو إلى الأطفال، أو الأمهات والآباء،أم إلى أفراد المجتمع كافة.
المهم قبل أن يكتب أن لا يغفل عن هذا المبدأ الذي يُبنى عليه المقال وهو من المبادئ الهامة جداً في مجال الكتابة, ومراعاة مستوى كل فئة.
- مقومات الكتابة:
ثمة مقومات أساسية تجعل لقلم الكاتب بريقاً لامعاً ونجماً ساطعاً في سماء الكتابة مما يجعل الأنظار تنجذب إليه والقلوب تهوي نحوه وهي:
1- الصدق والمصداقية:
لا أقصد بالصدق هنا الأمانة في نقل ما اقتبسه بتوثيقه في الهامش, فهذا مفروغ منه ومن المسلمات التي يجب أن يتقيد بها الكاتب،بل أقصد على الكاتب أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الناس, وألا يكتب شيئاً مخالفاً لواقع شخصيته أي لابد أن تكون المفاهيم التي يطرحها على الورق لها مصاديق في واقع حياته في كل حركاته وسكناته.
فما الفائدة من كاتب يكتب عن الصدق وهو يكذب, أو عن الظلم وهو يظلم نفسه والآخرين، أو عن بر الوالدين وهو عاق لهم, فهذا مقيت عند الله,( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)1 وهو عارٌ عظيمٌ عند الناس, يقول الشاعر:
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثلهُ....... عارٌ عليك إذ فعلت عظيمُ.
2- الشعور والإحساس والعاطفة:
على الكاتب أن يتعايش مع المفاهيم التي يكتب فيها ويجعلها تنضب بالشعور والإحساس والعاطفة, فإذا كانت المقالات مجردة من المشاعر والعاطفة سوف تكون باردة وجافة وغير مؤثرة, فمثلاً عندما أكتب عن انتشار العنوسة، أو الطلاق، أو البطالة(بطالة ذي الشهادات الجامعية)، أو عن معاناة الفتاة المتدينة في بيت أفراده كلهم غير متدينين، أو عن مجتمع مكبوت من الحرية، لابد أن أضفي الصبغة الإنسانية و المشاعر والعاطفة الجياشة لكي يتأثر القرّاء ويتفاعلون مع المقال أو البحث, وادعم ذلك بالقصص الواقعية المعاشة, مأساوية كانت أو غير ذلك فعبارة (حُكي إنه....أو ذات يوم حصل.... تجعل القارئ يُريح ذهنه ويحلق بخياله مع القصة).
عندها سوف يكون المقال أو البحث شيقاً ومقنعاً ومفيداً.
3- محور الموضوع:
على الكاتب أن يركز على صلب الموضوع وأن يبتعد عن الحشو الزائد لأن الحشو الزائد والإطناب المطول يجلب الملل لدى القرّاء مما يجعلهم يصرفون النظر عن أي مقال أو بحث عندما يرون اسم الكاتب عليه.
عليه أن يكون مرتباً في بحثه أو مقاله, يبدأ بمقدمة وثم صلب الموضوع ثم يختتمه بالنتائج التي توصّل إليها والتوصيات التي يراها, ولكن بشكل سلس وغير مطول وأسلوب ممتع وشيق.
4- تجميع المصادر والمراجع:
على الكاتب أن يجمع أكبر قدر من المعلومات والمصادر والمراجع التي تخص موضوعه والإحصاءات إذا كان يتطلب ذلك, بهدف تدعيم الفكرة وجعل المقال أو البحث يحتوي على طاقة هائلة من المعلومات والحقائق تدفع القارئ إلى الانجذاب بقوة نحو المقال أو البحث, ولهذا ترانا بعض الأحيان عندما نمسك مقالاً أو كتاباً أو دراسة ما لا نستطيع أن نتركها من أيدينا حتى ننهيها وذلك لما تحتويه من معلومات شيقة وحقائق ناصعة جذابة وأسلوب شيق, والعكس هو الصحيح.
(الكاتب جو نثر مؤلف كتاب"من الداخل" وهو الأكثر بيعاً في العالم,يقول: إنني أحاول دائماً الحصول على معلومات تبلغ عشرة أضعاف ما أستخدمه وأحياناً مئة ضعف.
في إحدى السنوات كان يكتب سلسلة من المقالات عن الأمراض العقلية قام بالتالي:
أ- زار هذه المؤسسات وتحدث مع المشرفين المرافقين للمرضى.
ب- ساعده أحد الباحثين على البحث.
جـ- سار أميالاً صعوداً وهبوطاً ودخل مبنى وخرج من آخر.
د- ملأ الكراسات بالمعلومات والتقادير الحكومية والرسمية وجمع رزم من الإحصائيات وفي النهاية كتب أربع مقالات قصيرة لكنها زاخرة بالمعلومات المفيدة).(2)
5- ترتيب الأفكار بشكل فقرات متسلسلة ومترابطة وواضحة مع وضع العناوين الجانبية لكل فكرة إن أمكن والابتعاد عن المصطلحات الغريبة الغير مفهومة, وإذا اضطر الكاتب لذكر مصطلح فلسفي، أو عرفاني، أو أجنبي مثلاً عليه أن يوضح معنى المصطلح حتى لا يترك القارئ في غموض.
6- دائماً اختم مقالك أو بحثك بخاتمة تذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها مع ذكر الفائدة منها والتوصيات والمرئيات التي تريد أن تقدمها إلى القارئ وهذا الجزء هو ثمرة مقالك وبحثك.
7- قبل البدء في كتابة المقال على الكاتب أن يوجه أسئلة إلى نفسه, لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟ وهل هناك أمثلة من الواقع (حدثاً أو قصة) على الموضوع؟ وماذا أريد أن أقدم للناس؟ وما هي الفائدة والثمرة من الكتابة في هذا الموضوع؟ وإذا كان هذا الموضوع مكرراً, ما هو الجديد الذي سوف أقدمه للناس؟. على ضوء الإجابة على تلك الأسئلة سوف تتضح الرؤية لدى الكاتب وتنفتح له آفاق لم يتوصل إليها من قبل, وهذا شيء مجرب ومجدي ومفيد جداً للكاتب.
- وأخيراً وليس آخراً:
العَالَم اليوم كالبحر العميق مليء بالمعارف والعلوم والتجارب والفنون والكاتب كالغواص لابد أن يكون ماهراً يغوص في أعماق هذا البحر ليستخرج منه لآلئ المعرفة الحقة وتجارب الأمم السابقة والمعلومات المتنوعة التي تفيد الناس دنيا وآخرة.
فملاك النجاح ليس بالكثرة ولا بالشهرة, فإنهما الزبد الذي يذهب جفاء, وإنما ملاك النجاح هو ما ينفع الناس الذي يبقى ما بقي الدهر.
قال الله تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ)3
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين