كواليس الكلمة
علينا أن نفهم ونعي كل كلمة تخرج من حنجرتنا قبل أن نقولها، وأن نفهم أنفسنا حتى نعرف ما يحتاجه من حولنا، هل فكرنا لحظة أن نتهم أنفسنا بالتقصير والخطأ؟ بل على العكس، نحن نستميت في الدفاع عن تصرفاتنا وإبراء أنفسنا من أي تهمة أو صفة يتهمنا بها الآخرون، ودائماً نقوم بمحاولة إراحة ضمائرنا لنبرر أخطاءنا ونهونها، في حين نهول تصرفات غيرنا ونحاكمهم بكل قسوة ونتهمهم بلا رحمة، وننسى كم أخطأنا في حق أنفسنا وحق الآخرين عندما ننسى محاسن من أمامنا لحظة ارتكابه ذنباً أو خطأً غير مقصود، رغم أننا لا نستطيع أن ننكر أننا جميعا قد وقفنا في يوم ما موقفاً كنا فيه في قمة الأنانية، فكلنا نرى أنفسنا على حق وأننا مسالمون وطيبون، بل ونرثي لحالنا لأن الدنيا لم تمنحنا الفرصة التي نستحقها ولم نأخذ حقنا كما ينبغي.
بكل بساطة تتلخص اتجاهاتنا ومعنوياتنا وأمزجتنا كلها من تصرفاتنا التي نترجمها من خلال كلماتنا.. نعم كلمة قد ترفعنا لسابع سماء، وأخرى قد تهوي بنا إلى القاع. كلمة تخرج من دون قصد، تحبط إنساناً كان في قمة نشاطه وعطائه، وكلمة قد تحفز عاطلاً للعطاء والعمل. وكم من كلمة دمرت مستقبل طالب عندما يصفه معلمه بالغبي، فيكسر همته ويشعره بالنقص ويغلق باب عقله عن الفهم. أنت أهبل وساذج وعبيط، كلمات قد تحول إنسان طيب القلب إلى قاسي حتى تمحو عنه صفة رائعة أصبحنا نفتقدها في حياتنا.
هي مجرد حروف بسيطة فقط وتتشكل بعدها قذائف تصيب فيها من أمامك مثل: أنت متكبر أو ظالم أو عصبي أو أناني أو شرير أو بخيل أو حسود أو كسول أو خامل.. صفات قد لا تكون في مكانها، يوصم بها الفرد حتى من لا نعرفه لمجرد أننا سمعنا عنه ذلك أو اختلفنا معه، فنتعامل معه على أساس ما سمعناه. نعم إنها مجرد كلمة، وربّ كلمة قالت لصاحبها دعني.
ونجهل أن كلمة طيبة قد تفعل الخوارق، خاصة إذا كانت من أقرب الناس إلينا، ومن لانت كلمته وجبت محبته، فالكلمة الطيبة لها قدرة عجيبة في زرع الثقة في النفس أو نزعها.. الكلمة الغير طيبة تنطلق من أفواهنا فتدمي من نحب عندما نعاتبهم بأنانية أو نحاسبهم بقسوة، فعلينا أن نتحلى بحُسن الخلق والتسامح وحُسن الظن، ونتجنب نقل الكلمات الغير طيبة، ولا نتطاول بزيادة الألفاظ والمعاني التي لا هدف منها، وأن نعني ما نقول، ونقول ما نعنيه، وأن نفكر بتأنٍ قبل أن نتحدث حتى لا نجرح أو نؤلم أو نتسبب للآخرين بإعاقة نفسية تترك بصمتها في الذاكرة.
وقد أوصانا الحبيب المصطفى محمد فقال: «الكلمة الطيبة صدقة»، وقال : «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة».
فلماذا لا نجعل الكلمة الطيبة شعاراً نطبقه في كل معاملاتنا.