(مصر الله) وإسرائيل
أنا محام، ولو سُئلت عن العمل الذي قام به الأمين العام لحزب الله اللبناني (ليس لديهم فرع آخر) السيد حسن نصرالله بتبنيه للمعتقل سامي شهاب في مصر تبنيا كاملا لقلت بانها عملية انتحارية من الوجهة القانونية، خاصة إعلانه بأن الشاب اللبناني هو (حمّال) الأسلحة والعتاد اللوجستي لغزة، ولهذا كان يتواجد في سيناء التي لم تكن يوما محررة كما هي مع أقدام المجاهدين الطاهرة التي حررت لبنان وتساعد في تحرير فلسطين على قدر استطاعتها.
السيد نصرالله تصرف بطريقة أقل ما يقال فيها بأنها نبيلة، وشريفة، وصادقة كعادته، على الرغم من تبعاتها القانونية المحتملة لا بل والأكيدة. فسماحته صيد ثمين بالنسبة للدول المساندة لإسرائيل، وما قاله قابل للاستخدام ضد شخصه وضد حزبه في المحافل الدولية وفي مجلس الأمن، خصوصا وان مجلس الأمن ليس سوى أداة تستخدمها أميركا ضد أعدائها وتحديدا في حالة كان العدو مهما ضربه بالنسبة لإسرائيل . وعلى الرغم من معرفتنا بأن السيد نصرالله يدرك كل هذه الأمور، ولا شك بأنه درس أثر تصريحاته «المصرية» على العلاقات الدولية مع حزبه والتي تنفرج يوما بعد يوم مع الأوروبيين خاصة، إلا أنه فعلها فلماذا يا ترى ؟
في المبدأ المنطقي أن عامودا أساسيا من اساسات البناء إن سقط فإن المبنى كله يسقط، لذا فإن ما قام السيد وعلى مسمع الملايين، هو أنه فضل إسقاط المبنى المذهبي مرة واحدة وإلى الأبد حتى ولو كان الأمر يعني وضع أسلحة إضافية لتستخدم ضده من قبل أعدائه ولو على المستوى القانوني، والقانون الدولي لا بارك الله بمستغليه مطية للمتكبرين عبر أدواتهم واسألوا أوكامبو عن حماسه لدارفور وبروده ورفضه التصرف في موضوع جرائم إسرائيل في غزة. والسيد ضرب المذهبيين في مقتل، في حين أن الكل في ما يسمى حركات التكفير مشغولون في تبرير التكفير كجائزة لحزب الله نظير هزيمته لإسرائيل وفي حين أن رموز التكفيريين ممن يزعمون الجهاد وهم ليسوا سوى قتلة وإرهابيين مشغولون في شرح ما يسمونه خطر «الروافض» على الأمة، نرى وبشهادة مصرية رسمية وباعتراف من أمين عام حزب الله بأن «الروافض» اللبنانيين وفي مقدمتهم نصرالله لا يشغلهم إلا هم واحد هو مساعدة الفلسطينيين حتى ولو تطلب ذلك المخاطرة بعناصرهم الميدانيين عبر إرسالهم إلى سيناء على بعد مئات الكيلو مترات من لبنان. نصرالله اعترف والمصريون أكدوا بطريقة غير مباشرة، بأن لا أجندة مذهبية لحزب الله خصوصا وأن «الروافض» الذين يساعدون الفلسطينيين ويخاطرون بحياتهم وبسمعتهم في سبيل فلسطين يعرفون تمام المعرفة ليس في غزة «روافض» بل أهل سنة وجماعة وبعضهم وهم من مسؤولي حماس استنكر زيارة مشعل إلى طهران إن لم تكن الذاكرة خانتنا بعد.
هذا من ناحية ضرب البعد المذهبي في العلاقات العربية العربية، وأما من الناحية الأخرى ، فأن يعلن السيد بأن حزبه كلف أحد كوادره بمهمة لوجستية في سيناء لمساعدة الفلسطينيين، فإنه يوجه ضربة قاضية ستظهر تداعياتها أكثر فأكثر في أوساط الشعوب العربية والإسلامية، وستلقي بثقلها على العلاقة ما بين الانظمة والشعوب، وستبلغ هدفها مع الزمن مثل حركة التسونامي البحرية. فما أراده الرسميون هو معاقبة السيد على موقفه من إغلاق معبر رفح من الجهة المصرية، وما فعله نصرالله هو أنه أعاد كرة النار جاعلا من الشعب العربي والمسلم حكما وقاضيا بينه وبين المتورطين منهم في الحرب على المقاومة في فلسطين خصوصا وفي المنطقة العربية عموما. وما قاله السيد يؤكد على الحقيقة وهي أن أصل القضية التي يطبل لها المستزلمون في الصحف هو المقاومة وموقف مصر منها وما قاله السيد نصرالله أعاد الكرة إلى الملعب الشعبي العربي والإسلامي وأظهر الحقيقة، اذ ليس حزب الله من يتآمر على مصر العرب ومصر الله والإسلام ، فما يفعله نصرالله ومجاهدو حزب الله في مصر ليس سوى القيام بالواجب مع الفلسطينيين نيابة عن الشعب المصري وعن أبطال أكتوبر في الجيش المصري البطل، ونيابة حتى عن الرئيس المصري وعن نظامه، فإن كانت التحالفات الدولية والالتزامات المصلحية للنظام المصري تمنعه من العودة إلى موقعه الطبيعي ومن القيام بواجبه في نصرة غزة ، فإن في الأمة من باع جمجمته لله وأعار مجاهديه للمصريين وجاء سامي شهاب إلى سيناء يحمل راية مصر نفسها التي حملها الجندي المصري في أكتوبر ورفعها فوق خط بارليف وما فعله سامي شهاب عدا عن كونه واجبا عربيا تجاه العرب في فلسطين، وهو أيضا واجب إسلامي وإنساني بنسبة أكبر.
وفي الختام رسالة... السكوت بعد كلام السيد نعمة يا أهلنا في مصر، وكفى الإخوة شر النزاع، وأنتم أخوة لنا كما المقاومون في لبنان وفلسطين أخوة .