بين بيان الـ 60 وبيان الدستوريين
داخلياً وفي نطاق الطائفة الشيعية المتواجدة في الساحل الشرقي، يدور الجدل واسعاً حول الطرائق او الرؤية السياسية المُمَارسة، حيث تتصدى مجاميع مختلفة لشؤون الطائفة وفق رؤى وممارسات متباينة.
دائما مايؤدي ابداء وجهة النظر في المسارات المتواجدة حساسية لدى الآخر المتباين، لذا يعزف الكثيرين عن طرح آرائهم، فمحاولة الإبقاء على الصداقات مع الجميع تلعب دوراً يستوقف البعض عن ابداء موقفه، فقد يغدو الرصيد الإجتماعي عند بعضنا أكثر أهمية من المبدئية، فحياة خالية من الضرائب هي ما يتوهم البعض تحصيله، ورصيد اجتماعي يفيض بانواع من الصداقات والإنتماءات يستحق في بعض الأحيان التسلح (بالخرس الإجتماعي).
معادلة شخصية كهذه، لم يعد الفرز والمخاض الواقع يسمح باستمرارها، ذلك ان حدية الأحداث أصعب من أن تبقي أحد بالمنتصف، ومكاسب الواقع لن يتحصلها المتسلح بالحيادية.
حيث بات الواقع أوضح بكثير من أن لانبصره، وبعيداً عن فلسفة كل مسلك، يكفي ملاحظة الأحداث والحيثيات هنا وهناك، حتى نصل إلى حكم على المسارات السياسية. فجولة فاحصة بين الأحداث الطافحة من على شرق وغرب الجزيرة العربية ستبين وبوضوح مدى الفقر السياسي التي آلت إليه بعض المسارات.
بالأمس القريب، طالعتنا ستين شخصية ببيان لم يكن الدفاع والرضا عنه بأجرأ من رفضه والسخط عليه.
على الجانب الآخر طالعنا موقع (حقوق الإنسان والمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية) http://www.humriht-civsocsa.org/، ببيان عنون: (الدستوريون يدينون المحاكمات السرية و انتهاكات حقوق الانسان و يطالبون باصلاحات سياسية) حُرر في 10/04/2009.
وبعيداً عن سرد أي من محتويات البيانين، يكفي قراءتهما حتى بعين واحدة، لإدراك البون الشاسع بين ما يعيشه جزء من الواقع الشيعي - تنظيراً وتطلعاً - مع نظراء آخرين في هذه البلاد.
فعلى الرغم من الوضع الشيعي المحلي المتأزم قياساً إلى:
1. تطور الواقع الشيعي على مستوى العالم.
2. على الرغم من وجود جهات ضاعفت التواصل والولاء مع السلطة.
3. إضافة إلى وقوع أحداث البقيع والعوامية.
4. وورود تصريحات مسؤولة لا تبشر بانفراج معاناة الشيعة.
5. واستمرار قضايا الإعتقالات والسجناء المنسيين.
إلا أن كل ذلك لم يدفع بجانب من الخطاب الشيعي - والذي كان البيان من أمثلته - إلى اتخاذ منحى مغايراً للغة ما عاد لها جدوى مع من وجهت إليه، ولارضى عند من أريد أن تعبر عنه.
ولايفوتنا أن نلحظ في البين، أن أصحاب بيان: (الدستوريون يدينون المحاكمات السرية و انتهاكات حقوق الانسان و يطالبون باصلاحات سياسية)، يعيشون واقعاً أفضل من واقعنا الشيعي بمراحل، ودواعي اخراج البيان لم تكن كدواعي سخونة الأحداث التي نعايشها، الفارق أن إحساس الدستوريون بسخونة همومهم أذاب عنهم ذات الجليد الذي مازال يغلف بعضنا، لذا احتوى بيانهم لغة حقوقية مغايرة. تأمل بعض ماورد فيه:
- القضاء السعودي من دون قواعد قضائية محددة في القضايا السياسية.
- القضاء السعودي ينتهك حقوق الإنسان و يفترس دعاتها.
- تبعية هيئة الادعاء والتحقيق لوزير الداخلية إعلان للعالم بأن القضاء السعودي غير نزيه ولا عادل.
- القضاء السعودي يجيز التعذيب أو يدلس فيه.
- أن سبب العنف الأساسي إنما هو سياسي؛ هو الاستبداد والظلم وانتهاك حقوق الإنسان.
- نذكر بحكمة من سنن الله السياسية، نطق بها الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي إن "أي دولة تجعل التغيير السلمي مستحيلا، تجعل التغيير الثوري حتميا".
- نذكر بأن انفراد الحل الأمني بملف العنف ينطوي على تجاهل مكونات وملونات العنف ، ونذكر بأن تضخيم الحل الأمني - من دون حل سياسي - تزييف لوعي الأمة، ومعالجة للداء بمثله.
- الجمع بين اختيار العائلة الحاكمة واختيار الشعب.
- ونطالب بالحد من تولية الأمراء في المناصب الحكومية.
- ونطالب بإصدار مدونة دستورية تقرر حقوق الناس أفرادا وجماعات، ولا سيما الحقوق السياسية، وحقهم في التظاهر والاعتصام، تعبيرا عن مصالحهم وعواطفهم، وتيسر نيلها بآليات وضمانات.
- ونقول بصراحة واطمئنان:لا حل للعنف والتطرف ولا للعنف والتطرف المضاد إلا بإصلاح دستوري أولا، وإشاعة أسلوب الحوار ثانيا، ،وصدق الله العظيم "ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله،إن الذين يضلون عن سبيل الله؛ لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب".
إن تأمل بيان كهذا، وملاحظة الواقع المحلي، الخليجي، العربي، الإسلامي والعالمي، كفيل بأن يوضح لنا مدى المأساة الشيعية التي زجتنا فيها بعض المسالك الشيعية، وبنسبة أو أخرى يدرك الكثيرون حجم المأساة التي اقترنت بتفويت الكثير من الفرص الراجحة.
لعل هذا يفسر استهجان الشارع الشيعي لبعض الخطوات التي تمت على أثر حادثة البقيع وأحداث العوامية، حيث يبدو انه استهجاناً يتعدى المرحلية إلى كونه (استهجانا تراكمياً)، حفزت حادثة البقيع وما بعدها على ظهوره.
أخيراً.. أن ما طفح على الساحة من متغيرات أوضح تحول اتجاه المجتمع، نحو لغة أكثر واقعية وأقرب للجدوائية، وأغلب الظن أن اقتناص هذا التوجه في رؤية سياسية كريمة فرصة من سيثمنها ستنتصر له معادلات السياسة ومعادلات المجتمع ولن يكسب احترام المجتمع المحلي فقط، لأن من ينتصر لكرامته دوماً ما يكسب احترام الجميع أعداءً وأصدقاءً.