وكأنَّ الآخرة لا تعنينا!
إحدى الحقائق المدركة أن الإنسان إذا خاف من شيء وشعر بخطره تراه يعمل كل ما في وسعه لكي يقي نفسه من ذلك الخطر المحيط به.
وهنا يأتي السؤال هل نحن نشعر بالآخرة وما فيها من أهوال وأخطار وهل أخذ الكلام المخيف الذي أنذرنا الله به في كتابه وأنذرنا رسوله المصطفى مأخذه في نفوسنا وهل تعاملنا مع الآخرة التي هي من عالم الغيب بالنسبة لنا في هذه النشأة كأي خطر آخر أوشك أن يفتك بنا أو تصيبنا آثاره؟
لذلك نرى أمير المؤمنين وقدوة المتقين في نهج البلاغة يصف المتقين فيقول :[أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لاَِجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ].
ها هو الواحد منا في غفلته يستيقظ صباحاً ويذهب ليوفر لجسده وأهله ما يحتاجون من قوت ولا أقول بأن هذا العمل غير جيد بل هو عمل فضيل إذا اقترنت به النية الطيبة ثم يأتي بعد عناء يوم عمل شاق ليتثاقل إلى الأرض ولعله لا يؤدي العبادات الواجبة بالشكل المطلوب فضلاً عن المستحبات والنوافل كصلاة الليل التي قد لا يكون لها ذكر عند الكثيرين منا.
ويأتي اليوم بعد اليوم إلى أن يأتي وقت الاجازة الأسبوعية وإذا بنا نبحث عن لهو لنريح به أنفسنا وكأن اللهو هو علاج التعب فتجدنا نذهب إلى جلسات اللهو والغيبة ونذهب للتنزه والاسترخاء -ولا أقول أن نحرم ما أحل الله لنا- وتجد الواحد منا يقول أن وقته لا يسمح له أن يستمع لدعاء كميل الذي قد لا يستغرق نصف ساعة في ليالي الجمع فضلاً عن دعاء الندبة والعهد وغيرهما بل قد لا يذهب إلى صلاة الجماعة التي حرم منها نفسه في أيام الأسبوع وكذلك في فترة إجازته أيضاً فضلاً عن سائر المندوبات كعيادة المرضى وقراءة القرآن أو زيارة القبور أو القيام بأوراد مندوبة أخرى.
أخاطب نفسي قبل كل أحد أنه ينبغي لنا أن نراجع حساباتنا مع الآخرة فهي الحيوان، إخواني إن السعادة كل السعادة في طاعة الباري عز وجل وإن العز في ذل العبودية والغنى في الافتقار إليه سبحانه.
أخواني لنجعل لنا أوراداً متواصلة لحياتنا في ذلك العالم وإن علينا لا أقلاً أن نوازن بين الدنيا والآخرة وأن نهيئ أنفسنا لاستقبال الموت فإنه قريب ونلبس لباس التقوى لنقي أنفسنا خطر نار جهنم ونجعل يوم أحدنا مقسماً على الساعات الثلاث التي ذكرها أمير المؤمنين :[ للمؤمن ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه ولذتها فيما يحل ويجمل].
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين الأخيار الذاكرين وأن يحشرنا مع الأبرار محمد وآله الأطهار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.