دجل الكلمة باسم الثقافة والتدريب ( 1 )

بسم الله الرحمن الرحيم

كثر الحديث واللغط عن الدورات التدريبية التي تقام في أروقة المنتديات والمراكز الاجتماعية والأسرية والمهنية التي تستهدف الذات البشرية والطاقة الكامنة المهملة لدى الكائن البشري بما فيها الماهية البشرية وتمنية قدراتها عبر برامج تدريبية مكثفة ومستهدفة في شتى المجالات روج إليها عبر مختلف وسائل الإعلام المختلفة وخصوصاً البرامج والدورات المعروفة تحت مسمى البرمجة اللغوية العصبية ( N.L.P) ، والتي لقيت لها رواجاً في مجتمعات الدول العربية خصوصاً الخليجية منها . 

• الصراع بين العلم والتنظير

بدأ صراع يطفو  ويتنامى على سطح النقاش والحوار بين شريحتين من المجتمع الأولى : شريحة المختصين في المجال العلمي لاسيما علم النفس والاجتماع وعلماء الدين من جهة وبين شريحة متبني هذه البرمجة ومدربيها من جهة أخرى   واختلفت أوجه الصراع بين هاتين الشريحتين ، فالعلماء يرون أن المجتمعات الغربية أرادت تصدير هذا النوع من العلوم الإنسانية بينما عمدت إلى إخفاء العلوم التقنية والمتطورة عنا ، وكأنها تبين حرصها الدءوب على الرقي بمجتمعاتنا لرفع مستواهم الفكري والإنساني بنشر هذه الثقافة الراقية بين أفراد مجتمعاتها .

ولم يقتصر النقد الفكري لهذه البرمجة على الجانب التخصصي بل شكل الجانب الديني نقداً لادعاً لرواج هذه البرامج ومدربيها لأنهم ارتأوا من وجهة نظرهم  أن هذه البرامج والدورات جاءت مغلفة بغلاف المنفعة والمصلحة في حين أن من يتقصى أصولها وجذورها ودراسة مضامينها وفلسفتها يجد أنها لاتوافق  في تطبيقاتها مع مجتمعاتنا وطبيعة سلوكياتنا ومعتقداتنا الدينية وعاداتنا الاجتماعية خاصة عند تمحيص وتدقيق المادة العلمية التي تطرحها وتقدمها .

خاصة تلك البرامج المتعلقة بالوافدات الفكرية العقدية والفلسفية التي تحتاج إلى بحث علمي دقيق ينم على نتائج ودراسات تتبعية واستقرائية لإبراز أنواع المخاطر المتخفية خلف جدار المنافع التي يرى منتقديها أنها تتخفى من خلفها .

فيما يرى بعض علماء الاختصاص والدين من جهة أخرى أن لم يكن النقد لهذه البرامج كونها جاءت من بلاد وافدة بقدر ماتحمل في طياتها من نظريات مبنية على فلسفات وعقائد تعاملنا معها في الآونة الأخيرة كمسلمات في حين يرى كثير من المختصين أنها مادة ظنية مزجت بقصص وعبارات مزركشة فأصبحت فرضيات تدرس ضمن أصول في سلوك وتربية المجتمع وخصوصاً مايتعلق بالتربية الأسرية والنفسية فكانت هذه النظريات محض جدال واسع بين عالم الدين والمختص من جهة ومدربي هذه البرمجة من جهة أخرى ، خاصة إن معظم فرضياتها لاتعتمد في إثباتاتها على المنهجية الدينية والفقه والقرآنية في مسألة التحقيق والدراية ، كذلك إن أصول المنهج العلمي يعتمد على ركيزتين أساسيتين الأولى : تعتمد على النقل والعقل وأما الثانية : التحقيق وهي فحص وجه الدلالة ومدى مناسبته للمسألة المطروحة وهو مايعرف بتوثيق النص الذي تفتقده معظم النظريات التي جاءت بها برامج البرمجة العصبية  .

أما النقطة الأخرى في نظر العلماء والمختصين أن مراحل المنهج العلمي في الدراسات الإنسانية تبدأ بالمشاهدات المبنية على ملاحظات ترصد للظواهر المراد تشخيصها والتي تصاغ على أساسها الفرضيات التي تعتمد هي الأخرى على نتائج مبنية على إحصائيات ودراسات لكي يتم التسليم بها كنظرية علمية وهي ماتفتقده معظم نظريات البرمجة العصبية التي لم تخضع إلى تجارب واختبارات لكي يتم تثبيتها كنظرية أو رفضها ، فاغلب هذه البرامج تعتمد في مرتكزاتها على أربعة ركائز هي : الحصيلة والهدف المنشود ومنافذ الحواس ومايمكن أن يدركه ويتعلمه الإنسان والمرونة في مسألة القبول والتغيير وأخيراً المبادرة والعمل بهذه التطبيقات دون النظر إلى مردودات ومخرجات التطبيقات بشقيها الإيجابي والسلبي ودراستها ضمن أطروحة منسجمة مع الواقع الميداني والاجتماعي ، لذلك شدد العلماء على دراسة وتحليل المخرجات التي نتجت عن هذه البرامج والدورات من قبل مختصين في المجال الإنساني والنفسي والاجتماعي .

أما النقطة الأهم عند العلماء في كل ذلك :  أن المسألة العلاجية أو مايعرف بالتقنيات العلاجية لكثير من المشاكل التي تواجه الفرد سواء على المستوى الفردي والجمعي خاصة تلك المشاكل النفسية كعلاج الخوف والوسواس والإضراب وزيادة الثقة بالذات وبعض الحالات النفسجسمية كالصداع والقولون و ، وعلاج السمنة وما إلى ذلك من المشاكل التربوية والاجتماعية التي يعاني منها كثير من الأفراد في مجتمعاتنا الخليجية لايمكن أن يقوم بها مدرب البرمجة العصبية كونه تلقى تدريب في زاوية معينة قد لايكون في الأساس ملماً بها ، بل بحاجة إلى مختص متمرس في مجال تخصصه لأن معظم العلاجات التي تطرحها هذه البرامج عبارة عن حلول ذات قوالب موحدة  لا تأخذ في عين الاعتبار التغيرات النفسية والاجتماعية للفرد والمجتمع ، ولا تراعي ابسط الفروق الفردية بين شخص وآخر .